الراي: تسوية الأجور في لبنان أمْلتها حسابات عون الشعبية وضرورات بقاء الحكومة

طبقاً لما أوردته «الراي» امس، في شأن التسوية السياسية التي أفضت الى إنهاء أزمة زيادة الاجور في لبنان التي طالت نحو اربعة اشهر، بدا واضحاً ان الحكومة بكل أطرافها اعتمدت اسلوب المقايضات الرائج لإعادة تعويم وضعها في ضوء سلسلة إخفاقات وانتكاسات تتعرض لها تباعاً.
ذلك ان زيادة الأجور كما أقرّها مجلس الوزراء في جلسة مسائية عقدها اول من امس، جاءت بمثابة حلّ وسط كسر شبه قطيعة سياسية بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس «تكتل التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون عقب لقاء جمع الرجلين مساء الثلاثاء في منزل صديق مشترك وهو الاجتماع الذي رافقته رعاية سياسية من حلفاء عون ولا سيما منهم «حزب الله» من جهة ورئيس البرلمان نبيه بري من جهة اخرى.

ومثلت الزيادة التي أُقرت على الاجور نسبة معقولة عبر تكريسها الاتفاق الذي عقد قبل نحو شهر بين الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام. واذا كان وزير العمل شربل نحاس بدا بمثابة الخاسر الاكبر في هذه التسوية، نظراً الى إسقاط مشروعه للزيادة لمصلحة التسوية بين مرجعه السياسي العماد عون وميقاتي، فإن ايحاءات الحل أظهرت ان لبنان لا يحتمل مغامرات واندفاعات دأب وزراء عون على القيام بها وسرعان ما كانوا يضطرون الى التراجع عنها.
وأعربت أوساط وزارية في الفريق الوسطي، الذي يضم الرئيسين ميشال سليمان ونجيب ميقاتي والنائب وليد جنبلاط، لـ «الراي» عن اعتقادها ان عون ركب مركب التسوية هذه بعدما استشعر بان مضيّ وزيره في مشروع غير قابل للتنفيذ وعناده حياله سيشكل له خسارة سياسية وشعبية كبيرة وسيحمّله تبعة مزدوجة إن من حيث الحرمان المتمادي للعمال من زيادة ولو محدودة وسط ظروف معيشية ضاغطة، او من حيث التسبب للحكومة بالتراجع والتفكك في حين يحظى فيها بحصة وزارية مرموقة.
اما من الجانب السياسي الاوسع، فان الاوساط نفسها تلفت الى ان تسوية الاجور أظهرت ثبات قرار مختلف الاطراف المشاركين في الحكومة على المضي في سياسات ومقايضات توفّر لها عنصر الاستمرار والبقاء وعدم تعريضها لهزة خطيرة في وقت تقترب مواعيد استحقاقات اكبر واوسع على المستويين الداخلي والخارجي.

وتشير في هذا المجال الى ان كواليس المراجع السياسية ستنهمك في الاسابيع المقبلة بالتحضير للتعامل مع استحقاق التجديد للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان ولو ان الجميع يدركون سلفاً ان هذا التجديد سيحصل بصورة آلية على مستوى الامين العام للامم المتحدة ومجلس الامن. ولكن ثمة قلقاً متنامياً من امكان ان يثير «حزب الله» هذه المرة ازمة حادة إن هو قرر وضع رئيس الحكومة امام اختبار صارم يختلف عن تساهل الحزب في تمويل المحكمة كما حصل قبل اشهر قليلة.
 ولا يبدو ان احداً يملك اجوبة قاطعة حالياً حول الحدود التي قد يذهب معها «حزب الله» الى حشر ميقاتي ودفعه الى اتخاذ موقف سلبي من التمديد للمحكمة او طلب تعديلات على البروتوكول المعقود بين لبنان والامم المتحدة في شأن المحكمة كشرط الزامي للموافقة على التمديد، فهذا الامر يبدو رهناً بحسابات الحزب وارتباطاته الاقليمية. ويخشى كثر ان يلجأ الى تصعيد في موقفه على خلفية الاحتقان المتصاعد بين المجتمع الدولي وكل من ايران والنظام السوري. وهو امر بدأ يكثر تداوله من الآن كالاحتمال الاكثر رجحاناً، مما يعني ان شهر فبراير المقبل سيشكل استحقاقاً حاسماً للحكومة ورئيسها من جهة، ولتبين نوع جديد من انعكاسات الازمة السورية والتطورات الاقليمية على لبنان عموماً من جهة اخرى.
وكانت جلسة مجلس الوزراء (الاربعاء) خلصت الى إقرار الاتفاق الرضائي بين أرباب العمل والعمال في اطار الصيغة القانونية التي وضعها وزير العمل. وقضى القرار بزيادة الحد الأدنى للاجور إلى 675 ألف ليرة (450 دولاراً) وبزيادة على الأجور بنسبة مئة بالمئة على الشطر الأول من الأجر حتى 400 الف ليرة على ألا تقل الزيادة عن 375 ألف ل. ل، وبنسبة 9 بالمئة على الشطر الثاني من الأجر بين 400 الف ليرة ولغاية مليون و500 الف ليرة لبنانية، على ان يصار، بغية احتساب هذه الزيادة، الى تنزيل مبلغ 200 الف ليرة لبنانية من الأجر الاساسي، على ان يتم استمرار العمل ببدل النقل والمنح التعليمية على ان يتم لاحقا إقرارهما في قانون يصدر عن البرلمان.

الا ان هذه النقطة بالتحديد شكّلت نقطة نقاش ساخن في الجلسة ولا سيما ان الوزير شربل نحاس يعتبر ان صدور قرار بدفع بدل النقل من خلال مرسوم (عن مجلس الوزراء) امر غير قانوني، وهو كان تقدّم بمشروع ثان لتصحيح الاجور حاول عرضه في مستهل الجلسة ولكن التسوية الكبرى كانت أكبر منه ويقوم على تحديد الحد الادنى للاجور بـ 800 الف ليرة على ان يُضم بدل النقل الى اساس الراتب ثم إقرار زيادة للرواتب وهو ما سبق للهيئات الاقتصادية ان اطلقت لا كبيرة ضده.
واشارت معلومات الى انه عندما حاول طلب أن يصدر بدل النقل ومنح التعليم حصرا في قانون حتى يكتسب المشروعية، برزت اصوات وزارية معترضة على قاعدة وجوب استمرار سريان هذين الحقين لطمأنة الأجراء على ان يتم لاحقا إقرارهما في قانون. وبعد أخذ ورد تخلله سجال بين وزير العمل والوزير نقولا فتوش عرض الامر على التصويت، فنالت وجهة نظر نحاس 8 أصوات (حزب الله والتيار الوطني الحر) بينما صوّت ضدها باقي الوزراء ومن بينهم أعضاء في تكتل عون: وزير الصناعة فريج صابونجيان ووزيرا المردة فايز غصن وسليم كرم ووزير الحزب الديموقراطي مروان خير الدين.

وإثر اتضاح النتيجة، امتعض نحاس وقال انه لن يوقّع المرسوم لانه لا يريد ان يغطي مخالفة القانون، فتدخل لديه عدد من الوزراء ومن بينهم الوزير محمد فنيش، سعيا الى ترطيب الأجواء وتليين موقفه.
ووسط تقارير اشارت الى امكان استقالة نحاس نظرا الى التشنج الذي شهدته الجلسة ونقاشه القانوني الحاد مع الوزير فتوش ورفضه الحاسم لمرسوم النقل لانه غير قانوني الى جانب ما قيل انه لم يكن تبلّغ ان كل وزراء العماد عون سيسيرون بالاتفاق الرضائي الذي أُقرّ، استبعدت مصادر أخرى بلوغ الامر هذا الحد فيما ذهبت بعض الاوساط الى الحديث عن امكان ان تقضي التسوية بتوقيع وزير العمل بالوكالة خلال سفر نحاس.
وكان لافتاً في اطار محاولة «الحد من الأضرار» المعنوية التي لحقت بوزير العمل تأكيد وزير الطاقة جبران باسيل (صهر العماد عون) أن جلسة مجلس الوزراء «أظهرت وجود رابحَين في مجلس الوزراء، هما القانون والوزير شربل نحاس، لأن الأخير كسر الأداء المخالف للقانون في ملف الأجور، والمعتمد منذ عام 1996». وقال «إن نحاس وضع قواعد قانونية لتصحيح الأجور سنوياً، وحصّن الأجر وحسّنه، وإن لم يكن ذلك بالقدر الذي يريده كاملاً». 

السابق
ايران لن تقفل مضيق هرمز الا اذا تعرضت لتهديد
التالي
الشعب السوري وحيداً ما العمل؟