ساجيم.. الهوية والاختصاص

لم يكن اعتراف وزير الداخلية والبلديات مروان شربل، في لجنة الإعلام والاتصالات النيابية، أول أمس، بأن البلد مكشوف أمنياً خبراً جديداً. فاللبنانيون يعيشون منذ زمن حالة طلاق كلّي مع خصوصيتهم، وبات من الصعب أن تدهشهم أي «فضيحة» لها علاقة باختراق هذه الخصوصيّة أو الاستخفاف بها. ولكن هذا الواقع لا ينزع عما أفصح عنه شربل، صفة «الخطير»، لا سيّما بعد الإطلاع على خلفيّة شركة «ساجيم» الفرنسية التي تولّت بموجب عقد موقّّع مع وزارة الداخلية اللبنانية، منذ العام 1996، مهمة إصدار بطاقات الهوية اللبنانية.
«تقوم الشركة منذ توقيع العقد بحفظ بصمات المواطنين وإدراجها على الملفات الخاصة ببطاقات الهويّة اللبنانية».. الخبر مثير للقلق، ولكنه يُعدّ مقبولاً وفق الصيغة اللبنانية. أما أن يتضمّن العقد بنداً ينص على أنه «في حال إلغائه، فإن «داتا» البصمات تصبح ملكاً للشركة لا للدولة اللبنانية»، فإن الأمر يسلك منحى مختلفاً، لا سيّما إذا عرفنا أن «ساجيم» شركة رائدة عالميّاً في صناعة أجهزة الاستخبارات والالكترونيات للأسواق الدفاعيّة (العسكرية). وفي هذا الإطار، لا يمكننا تجاهل عقد «الالتحام (الشراكة) بالمناصفة» بين «ساجيم» الفرنسية وشركة «ألبيت» الإسرائيلية للصناعات العسكرية والإلكترونية المبرم في أيلول من العام 2010.
حاولت «الداخليّة»، أمس، لملمة «الفضيحة»، فأصدرت بياناً توضيحياً في محاولة لطمأنة اللبنانيين، مفاده أن شركة «مورفو»، وهي الفرع الموكل بالشقّ المدني السكاني لـ«ساجيم»، «تعي خطورة تسريب أية معلومات وهي مصنفة عالمياً الأكثر جودة وأماناً كونها المصدّرة للمعيار الخاص بالتقنيات البيومترية لكافة الأصابع والصور وبصمة العين وتعتمدها أكثر من 70 في المئة من دول العالم» .
كلام «الداخلية» يؤكده الموقع الإلكتروني للشركة الذي يُدرج ضمن «شرعة الأخلاقيات» بنوداً عشرة أهمها احترام خصوصية «الزبون» والسريّة التامة للمعلومات. ولكن في ظلّ الحرب المحتدمة، تكنولوجياًً واستخباراتيا وعسكرياً، لا يمكن تجاهل الاستعداد التام الذي طالما أظهرته المؤسسات الدولية وشركات الدفاع الكبرى لانتهاك هذه الشرعة كرمى لمصالح بعض الدول، وعلى رأسها إسرائيل.. والتجربة اللبنانية غنيّة بالأمثلة بهذا الصدد. صحيح أن ما سبق لا يمكن إدراجه في خانة الاتهام للشركة، لا سيما أنها عالميّة ومتعددة الفروع والاختصاصات، ولكنه يبقى سؤالاً مشروعاً تعزّزه طبيعة عمل الشركة والخدمات التي تقدّمها.

شركة «ساجيم».. الهويّة والاختصاص

تندرج شركة «ساجيم» ضمن مجموعة «سافران» الفرنسية وهي تستخدم تكنولوجيا رفيعة المستوى. تعرّف مجموعة «سافران ساجيم» عن نفسها بأنها «رائدة عالمياً في تقديم الحلول والخدمات في المجالات الأوربترونية (أنظمة تعقّب الأقمار الاصطناعيّة) ومجالات تصنيع الأجهزة والإلكترونيات التي تُساعد في تجهيز الطائرات والمركبات الفضائية، إضافة إلى كل ما يتعلّق بالالكترونيات للأسواق الدفاعية والمدنية على حد سواء». وتعتبر «ساجيم» الشركة الأوروبية الأولى والثالثة عالمياً في مجالات نظم الاستخبارات والملاحة بالقصور الذاتي في التطبيقات الجو- فضائية والملاحة تحت الماء والغواصات وعلى الأرض، بالإضافة الى النظم الاوربترونية والأهداف الطائرة للتدريب التكتيكي، وهي متواجدة في القارات الخمس من خلال مجموعة «سافران».
 وتتألف «ساجيم» من ثلاثة أقسام رئيسية هي:
– قسم الأوربترونيات والدفاع: يستخدم أفضل التكنولوجيات العالمية لتصميم وإنتاج النظم والمعدات الأوربترونية للجيوش وقوات الأمن، كما للاستخدام في النظم الجو – فضائية والبحرية والبرية. ومن أهم هذه النظم: المناظير ومعدات التصوير بالأشعة تحت الحمراء وأجهزة تكثيف الضوء والتصويب ومناظير الأفق (Periscopes) والأجهزة المثبتة جيروسكوبيا (أنظمة حفظ التوازن) وغيرها. أما في مجال الحلول فتقترح للقوات المسلحة «حلولاً متقدمة» لمشكلاتها في مجال ترقيم المجال الجوي فوق ساحة المعركة وتحديث معدات المقاتل والتشفير والنظم المستخدمة كأهداف للتدريب.
– قسم الملاحة: تُعرف «ساجيم» عالمياً في مجال الملاحة بالقصور الذاتي ونظم «الافيونكس»(avionix) المدنية والعسكرية. وتستخدم نظم الملاحة ومعدات التوجيه التي تنتجها الشركة بكثافة في الطائرات والسفن والغواصات والصواريخ والمركبات المصفحة ونظم الأسلحة البرية في العديد من الدول، كما تشترك «ساجيم» في اكبر مشاريع الطائرات والطوافات التي تعد حالياً. يُذكر أن العديد من القوات المسلحة حول العالم تستخدم نظم «ساجيم» لجمع المعلومات والاستخبارات وإعداد المهام.
قسم الالكترونيات: يجمع هذا القسم أكثر من 1500 خبير في قطاعي الالكترونيات والبرمجية العائدة للنظم الجو – فضائية والمنصات البحرية والبرية. يتطور هذا القسم وينتج ويقوم بصيانة الحواسب والخرائط الالكترونية. وتستخدم معدات ونظم هذا القسم في مجموعة هبوط الطائرات و«الافيونكس» والملاحة. وتخدم منتجاته في منصات مثل « Boeing 787»، «Airbus A083»، الغواصة «Baracuda»، المقاتلة «رافال» وطائرة النقل العسكري الأحدث» A004M « وغيرها. وفي هذا الإطار، لا بدّ من الإشارة إلى ان الشركة الفرنسية قامت بتطوير برنامج «Phoenix» بمساندة المديرية العامة للتسليح «DGA»، وأركان الجيش البري الفرنسي.

شراكة «ساجيم» و«ألبيت»

في 15 أيلول 2010، أصدرت «ساجيم» بياناً صحافياً أعلنت فيه عن شراكتها الجديدة بالمناصفة مع «ألبيت» الإسرائيلية للصناعات الإلكترونية والعسكرية. الشراكة، التي وصفتها الصحف الفرنسية آنذاك بـ«ضربة معلّم» للشركة «ساجيم»، تقضي بتسويق الطائرات التكتيكية من دون طيّار (drones tactiques) في الأسواق العالمية، باستثناء الولايات المتحدة وبريطانيا، بهدف «التصدّي لأسواق الطائرات من دون طيّار الأخرى في العالم».
وينصّ العقد على تحقيق مبيعات سنوية تصل إلى 50 مليون دولار كبداية، على أن يصل المبلغ إلى الضعف خلال السنوات الثلاث اللاحقة، ويشارك في هذه الصفقة المئات من العاملين من «ساجيم» و«ألبيت». وقد صرّحت الأخيرة آنذاك بان الاتفاق يأخذ العلاقات الاستراتيجية الفرنسية الإسرائيلية إلى أبعاد تكتيكية تعاونية مختلفة، تلحظ بشكل أساسي فرص عمل نظام الدفاع الفرنسي مع «بلدان عدوة».

مورفو.. «الجناح» المدني للشركة

تعدّ «مورفو» السبّاقة في إنجاز مشاريع عالميّة، وقد لمع اسمها في وقت سابق في مشروع هائل تمثل بجمع بيانات المقاييس الإحيائية لسكان الهند. أما في ما يتعلّق بعمل «مورفو» ضمن المشروع اللبناني، فقد أبرزه بيان «الداخليّة» موضحاُ أنها «قامت بتنفيذ مشروع إنشاء مشغل بطاقة الهوية منذ بدايته عام 1995 ولغاية تاريخه وهي المالك الحصري للتقنيات البيومترية ولنظام CNI1 و Oracle لإصدار بطاقات الهوية وصيانة المشغل بمعداته وأنظمته، علماً ان بصمات اللبنانيين وبياناتهم كافة تعالج ضمن رخصة الاستخدام لنظام AFIS، وهي ملك لوزارة الداخلية والبلديات».
وأضاف البيان تقوم «مورفو» سنوياً بصيانة الأنظمة والمعدات وتشغيلها، كما أن وزارة الداخلية والبلديات وبعد موافقة مجلس الوزراء، عهدت إلى الشركة عملية الترحيل والتحديث لنقل منصة مشغل بطاقة الهوية بما فيها من معدات وقواعد بيانات مكونة، علماً ان تلزيم الترحيل لغير الشركة الأساسية يؤدي إلى إطاحة جهد 15 عاماً من إعداد للقاعدة الوطنية لبيانات اللبنانيين». 

السابق
النهار: تسوية ميقاتي وعون تطوي أزمة الأجور 675 ألفاً الحد الأدنى بلا غالب ولا مغلوب
التالي
بدأ العد العكسي