بدأ العد العكسي

حسمت القيادة الإيرانية أمرها، وبدأت العد التنازلي لخوض حرب على أكثر من جبهة تحت شعار «علي وعلى أعدائي»، لن يطول انتظارها.

أما المسوغان الرئيسيان لمثل هذا القرار فهما رفض إيران الوقوف مكتوفة الأيدي تتفرج على نظامها ينهار تحت وطأة العقوبات الاقتصادية وتدهور العائدات النفطية، مثلما حصل مع الاتحاد السوفياتي الذي أنهك تراجع أسعار الذهب الأسود خزينته، فأعلن إفلاسه قبل أن يتلاشى سريعاً كأنه لم يكن.

وبعدما وصل تأثير الحصار الأميركي والأوروبي إلى اللبنة الأساسية للدولة فطاول المصرف المركزي وصادرات النفط، لم تعد إيران تستطيع سوى إبرام صفقات تبادل للسلع مع مشتري نفطها، أي أنها لن تحصل مقابله على العملات الصعبة التي بدأت في جمعها من أيدي المتعاملين في طهران والمدن الكبرى، بحجة أن هؤلاء يتسببون بانخفاض قيمة العملة الإيرانية والمضاربة عليها.

والمسوغ الثاني هو اقتناع نظام خامنئي بضرورة استرجاع موقع قيادة «محور الممانعة» في المنطقة، بعدما تجاوزته ثورات «الربيع العربي» وأحرجه الدعم الذي يقدمه مع تابعه «حزب الله» إلى نظام بشار الأسد المتهالك. وكانت طهران أعلنت بنوّتها للانتفاضات العربية ونسبتها إلى ثورتها في 1979 وقالت إن الذين انتفضوا في تونس ومصر وليبيا اهتدوا بها. لكن ما من طرف في الأنظمة الثلاثة الجديدة أقر بهذا الاقتداء ولا أوحى بحرصه على علاقة جيدة بالنظام الإيراني الحالي، بل على العكس هناك اتهامات له بمعاداة التغيير والمساهمة في منعه أو تأخيره.

والإشارات إلى قرار الحرب المتخذ في طهران متعددة: فبدل أن تقنع العقوبات الإيرانيين بفتح مواقعهم النووية أمام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ووقف عمليات التخصيب غير المبررة، بدأوا في تشغيل وحدة تخصيب جديدة محصنة، رافضين أي «تنازل» في هذا المجال ومتوعدين بـ «مفاجآت» مقبلة، على رغم دعوتهم لمواصلة المفاوضات الشكلية مع مجموعة «5+1» والتي تنتهي دوماً بالفشل.

ومع إجرائهم أضخم مناورات بحرية في مياه الخليج العربي حتى الآن، أعلن القادة العسكريون في الجيش و «الحرس الثوري» أنهم لن يكرروا إنذارهم بمنع حاملات الطائرات الأميركية من العودة إلى مياه الخليج، وأنهم سيتصرفون وفق ما يمليه أمنهم القومي وخصوصاً لجهة التحكم بمضيق هرمز، ووجهوا التهديد تلو الآخر إلى الدول الخليجية بأن القواعد الأميركية في المنطقة ستكون أهدافاً للصواريخ الإيرانية، ثم حذروا هذه الدول من تعويض النقص في المعروض النفطي إذا حُظر النفط الإيراني.

القيادة الأميركية حسمت أمرها أيضاً: إذا كانت إيران تريد الحرب فلتكن. وإدارة أوباما التي تسعى إلى تجديد انتخابها في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل حريصة على عدم منح خصومها الجمهوريين ورقة ثمينة إذا هي تخاذلت في وجه التهديدات الإيرانية، ولهذا وجهت أميركا رسالة حازمة مباشرة إلى خامنئي بأنها لن تتساهل إزاء تهديد أمن الخليج وأمن طريق النفط، وأرسلت حاملة طائرات ثانية إلى قبالة السواحل الإيرانية، وقررت إلغاء مناورات مقررة مع إسرائيل هذا الصيف، ليس بهدف خفض التوتر مع إيران، بل لإبقاء جاهزية قواتها في المنطقة في أعلى درجة.

أما إسرائيل، الطرف الثالث في الحرب الوشيكة، فبعدما شكت طويلاً من تأثير الأزمة المالية العالمية على اقتصادها وأعلنت أنها ستعتمد إجراءات تقشف للحد من العجز تشمل الإنفاق الدفاعي، قررت فجأة قبل أيام زيادة موازنتها العسكرية بمبلغ 780 مليون دولار، مؤكدة أن «التحديات في المنطقة» تستلزم ذلك.

أطراف المعركة حسموا أمرهم، ولم يبق أمام سكان دول المنطقة سوى البدء في تخزين السكر والرز والطحين وانتظار الأسوأ.  

السابق
ساجيم.. الهوية والاختصاص
التالي
أبو جمرة: مشاريع نحاس شمولية