الجمهورية: المحكمة الدولية تؤكد تجديد مهماتـها ومجلس الوزراء يقر الأجور

في مشهد مهيب ودّع لبنان أمس ضحايا مبنى الأشرفية الذي سلّط الضوء مجدداً على واقع اللبنانيين وحقيقة وضعهم المأسوي والمكشوف في ظل الإهمال المتمادي وغياب دولة ترعاهم وتوفّر لهم السلامة العامة المطلوبة. هذا المشهد الذي ما زال يرخي بثقله على الحياة السياسية التي اخترقها إقرار مجلس الوزراء اتفاق بعبدا وسقوط مشروع الوزير شربل نحاس المتعلق ببدل النقل بالتصويت، وبيان المحكمة الدولية التي أوضحت أن "الاتفاق بين الأمم المتحدة ولبنان يؤكد أن التفويض الموكل إلى المحكمة سيتجدد إن لم ينته عملها"، مشيرة إلى أن "عملها لم ينته بعد". ولفتت إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون سيقرر مدة التفويض بعد التشاور مع لبنان ومجلس الأمن، موضحة أن رئيس المحكمة الدولية طلب تمديد التفويض.

وجاء هذا البيان ليحسم، بعد موقف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، الجدل القانوني ولا سيما السياسي حول قضية تجديد بروتوكول المحكمة الدولية، إذ أعلنت المحكمة صراحة أنه طالما "عملها لم ينته بعد" فإن "التفويض الموكل إليها سيتجدد"، وبالتالي لم يعد يشكل هذا الملف استحقاقا إلا لمن يريد فتح معارك مجانية وعشوائية وإبقاء البلاد رهينة المشاحنات والمناخات السلبية تجميدا لأوضاعه وتحويراً للأنظار عن المشاكل الحقيقية التي تعيق قيام الدولة في لبنان.
وفي هذا السياق قالت مصادر سياسية لـ"الجمهورية" إن موقفي بان والمحكمة أمّنا المخرج الملائم لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، إذ لم تعد الكرة عمليا عند الأخير بعدما حسما الجدل باكرا في شأن تجديد البروتوكول، وبالتالي الكلام من الآن وصاعدا عن "أن ما ينطبق على التمويل لن ينسحب على البروتوكول وأن "حزب الله" لن يتزحزح عن موقفه الرافض للتجديد، يدخل في إطار الاستهلاك السياسي".

ولفتت إلى أن "موقف بان وبيان المحكمة يشكلان أيضا مخرجا للحزب حيال قواعده بعد كل التسريبات التي عممها عن موقفه المتصلب في هذه القضية، خصوصا أن الأحداث والتطورات السياسية أثبتت بما لا يقبل الشك والجدل أن أولوية "حزب الله" هي الحكومة لا المحكمة لألف سبب وسبب أبرزها أن مسار المحكمة طويل ولا يشكل تهديدا آنياً له، فيما الاستحقاقات السياسية وفي طليعتها الأزمة السورية داهمة وسيكون لها ارتدادات مباشرة على وضعيته، وبالتالي إمساكه بمفاصل السلطة في لبنان يعطيه نوعاً من ضمانة، ويجعله في موقع المفاوض لا المفاوض عليه.
بلمار 
وعلم ان مدعي عام المحكمة القاضي دانيال بلمار الذي يزور لبنان الأسبوع المقبل سيبحث مع المسؤولين مدى تعاون الحكومة مع المحكمة، وقالت مصادر مواكبة لهذه الزيارة لـ"الجمهورية" ان ملف المطلوبين الأربعة سيكون حاضرا في محادثات بلمار مع المسؤولين اللبنانيين، فضلا عن جولته الوداعية على القيادات اللبنانية السياسية والقضائية وخصوصا تلك التي تعاونت معه خلال مهمته.
حديث التجديد في غير محلّه
وقال الخبير في القانون الدولي والمحكمة الخاصة بلبنان المحامي الدكتور أنطوان سعد لـ"الجمهورية": حسمت المحكمة الجدل الذي كان قائما حول تمديد عملها، لجهة إنتفاء دور الحكومة اللبنانية فيه، وإقتصار هذا الدور على إبداء الرأي غير الملزم. وأوضح أن الحديث عن تجديد البروتوكول هو في غير محلّه القانوني لأن مجلس النواب لم يقرّ إنشاء المحكمة وبالتالي لم يعد من مكان للحديث عن تجديد للبروتوكول، وجلّ ما سيتم الآن هو تمديد للإتفاقية التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي 1757، وعلى الأثر فإن الأمين العام للأمم المتحدة سيتخذ القرار بتمديد عمل المحكمة وفقا لهذا القرار الذي اعتبر أن الحكومة عجزت عن استكمال العملية الدستورية في مجلس النواب مما استبعد إنشاء المحكمة بإرادة الطرفين، لبنان ومجلس الأمن، فأنشئت بإرادة منفردة من الأخير.

أما لجهة طلب المحكمة من الحكومة اللبنانية تزويدها ببصمات، فقال سعد "إن المحكمة لا تستطيع طلب عدد قليل من البصمات كونها تملك بصمات كثيرة وغير مكتملة وهي تحتاج الى التزوّد بعدد كبير من البصمات كي تتمكن عبر برنامج إلكتروني من إجراء المقارنة واستبعاد البصمات غير المطابقة. وهذا ما تعتمده الجهات القضائية والأمنية كافة عند وقوع أي جرم".
اتفاق بعبدا
وكما كان متوقعا، وافق مجلس الوزراء على بند زيادة الاجور مع تحفظ وزير العمل شربل نحاس، وفق الاتفاق الاول الذي رعاه ميقاتي وتكرّس باتفاق بعبدا، غير أن الخلاف كان على بدل النقل، حيث طلب نحاس ان يكون في اساس الراتب مصراً على طرح الموضوع على التصويت، فسقط عندما صوّت 19 وزيرا ضد مشروعه فيما صوّت 10 وزراء معه.

وقالت مصادر وزارية لـ"الجمهورية" أن مواقف العماد ميشال عون فرضت إعادة التموضع السياسي داخل مجلس الوزراء، إذ أن إصرار نحاس على موقفه أدى إلى قلب معادلة التصويت مجددا لمصلحة ميقاتي وكسر المعادلة التي كان أعلنها الوزير جبران باسيل والمتمثلة بتحالف "حزب الله" و"حركة أمل" و"التيار الوطني الحر"، بانضمام الحركة مجددا إلى جبهة سليمان وميقاتي وجنبلاط.
وعلمت "الجمهورية" أن أولى ثمار العشاء الذي جمع ميقاتي والعماد ميشال عون أول من أمس في منزل الوزير جبران باسيل كانت ترجمت داخل مجلس الوزراء بدفاع ميقاتي المستميت عن مشروع نحاس إلى درجة أنه فضل الاخذ بصيغة الأخير المقوننة وإسقاط صيغته الخاصة لقوننة اتفاق بعبدا الرضائي الشهير.
وفي التفاصيل أن الاجتماع الرباعي الذي جمع الوزراء محمد فنيش وجبران باسيل وعلي حسن خليل وشربل نحاس قبل الجلسة والذي تواصل خلاله خليل مع ميقاتي مباشرة انتهى إلى الاتفاق على اعتماد صيغة مقوننة أعدها نحاس لاتفاق بعبدا وهي تجمع بين طرحه الخاص وذلك الاتفاق، ولكن في إطار عرضه الصيغة سجل نحاس موقفا مبدئيا بإصراره على دمج بدل النقل بالأجر، ولكن المشروع أقر بصيغته المتفق عليها مقرونا بتصويت خجول على بدل النقل الذي رفض نحاس توقيع مرسومه في اعتباره غير قانوني، في رأيه، مصرا على أن يتم انتظار اقتراح القانون الذي كلفه مجلس الوزراء إعداده.
زيارة ميقاتي الى فرنسا
وكشفت مصادر الرئيس ميقاتي لـ " الجمهورية" أن موعد زيارته إلى باريس لم يكن محددا بشكل ثابت ودقيق حتى يصار إلى إرجائه، حيث أن البحث كان مبدئيا حول إمكان القيام بهذه الزيارة في الأسبوع الأخير من كانون الثاني الجاري، غير أن ما طرأ من مواعيد لدى الفرنسيين دفع البحث بها إلى النصف الأول من الشهر المقبل، وهذا الأمر جرى النقاش حوله في اللقاء الذي جمع رئيس الحكومة بالسفير الفرنسي دوني بييتون أول من أمس.
جنبلاط ينتقد الحريري
وقبل أن يغادر رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط أمس الى الدوحة على متن طائرة خاصة، انتقد موقف الرئيس سعد الحريري لرفضه "الحوار السياسي ما لم يسلّم "حزب الله" أسلحته للدولة، كما فعلت جماعات أخرى مسلحة بعد الحرب الاهلية التي دارت خلال الفترة من 1975 الى 1990"، قائلا: إنّ موقف الحريري "لا يؤدي إلى أي نتيجة"، مضيفًا: "على الرغم من أنّ وجهة نظر كل منّا حول سوريا مختلفة فأنا ضد حدوث استقطاب في السياسة الداخليّة في لبنان".
علوش تعليقا على جنبلاط
وتعليقا على موقف جنبلاط، قال عضو المكتب السياسي في تيار "المستقبل" النائب السابق مصطفى علوش أن "جنبلاط يدرك تماماً ماذا فعل هذا السلاح إن في السابع من ايار في العام 2008 أو يوم القمصان السود الذي ادى إلى إختلال موازين القوى في الداخل اللبناني، والذي استباح الحياة السياسية اللبنانية على مستوياتها كافة". ولفت الى ان "هذا السلاح إقليمي بالدرجة الاولى ويتبع لمبدأ ولاية الفقيه، ولم يعد له علاقة بالتحرير منذ انسحاب اسرائيل من لبنان في العام 2000"، مضيفاً " انه في حال انقلب "حزب الله" مرّة أخرى على الداخل، فهذا لن يكون بسبب موقف الرئيس الحريري، إنما نتيجة الأجندة التي يعمل الحزب بموجبها والخارجة عن تطلعات الشعب اللبناني". 

السابق
الشرق الاوسط: الزبداني في قبضة المعارضة.. ومواجهات في جامعات حلب
التالي
الانوار: صرخة في وداع ضحايا كارثة الانهيار: أين الدولة؟