الأمير..وقوات قطر العربية

تكثف التحرك القطري قبل انعقاد المجلس الوزاري العربي الأحد المقبل، "ذكرى" مرور شهر على ما تمخض به جبل جامعة الدول العربية من بروتوكول وبعثة مراقبة، سرعان ما فقدت أهميتها بالنسبة لموّلدها، بعدما تبين له أن رياحها لا تجري وفق ما اشتهت سفنه. فكان أن طرح أمير الثورات في الدوحة، آخر ما توصل اليه عقل مهندسها، رئيس حكومته ووزير الخارجية، وهو ارسال قوات عربية الى سورية، في محاولة لجعلها جسراً لتدخل أجنبي يتبناه مجلس الأمن الدولي، بعدما أطاح الرئيس بشار الأسد الاسبوع الماضي ببضع كلمات بـ"مؤسسة" الجامعة العربية.
يعلم حمد بن خليفة آل ثاني، أن طرح ارسال قوات عربية الى سورية، غير منطقي، لأن السؤال البديهي الذي سيليه هو، من هي الدولة التي ستوافق على ارسال جنودها الى هذا النوع من المهمات المستحيلة في الظروف التي تمر بها المنطقة، إضافة الى أن الزج بأية قوة عربية قد يفتح الأبواب المغلقة في الصراع القائم، والذي بات يقف على شفير الهاوية، نتيجة النفخ بالنار.

ما يجب أن يتم شرحه بإسهاب، هو استعراض القوى العربية التي من الممكن أن تشارك في تلك القوات، التي يطرح أمير قطر تشكيلها لتحقيق مآرب العرب والغرب في دمشق، وما يجب أن يجيب عليه الأمير نفسه هو، هل ان قطر بحد ذاتها قادرة على المشاركة في قوة "ردع" عربية تدخل الى دمشق للفصل بين "المتقاتلين"، ام ينتظر سمو الأمير أن تدخل قواته وفق شروط سياسية، أو مظلة حماية، ما ينسف كل القواعد التي ينادي بها الأمير وحلفاؤه، إذ أن الدخول الى سورية يندرج في سياق إعلان الحرب عليها، ولا يمكن وضعه في اية خانة أخرى، ما يوجب على الحكومة هناك أن تكون جاهزة ومستعدة لمواجهة كل القوى التي توافق على هذا المبدأ، لأنه لن يكون إلا عبارة عن قوى خارجية لدعم المسلحين الخارجين عن القانون، وليس حماية الثورة والمدنيين من اتون حرب يدفع العرب الى اشعالها في سورية، وربما في المنطقة.  
الجواب على امكانية مشاركة قطرية في هذا السياق، هو النفي بالطبع، في حين أن باقي الدول من غير تلك التي تشكل قوات درع الجزيرة، لها حساباتها العديدة، كما أنه لا تتوفر فيها مقومات المشاركة، مثل تلك التي دمرتها الثورات، ولم تستطع بعد إعادة تشكيل قواتها، كما في ليبيا وتونس، في حين ان الجزائر لا تبدو منسجمة مع الموقف العربي المتدخل في الشأن السوري، وترفض حتى اتباع سياسة دعم الثورات بالنهج التي تنتهجه، لنطل من هناك على مصر غير الجاهزة في الوقت الحاضر لا عسكرياً ولا سياسياً، وهي ما زالت تعيش مخاض ولادتها من جديد، في ظل ظروف صعبة تمر بها البلاد، وإعادة خلط أوراق على كل المستويات، لا سيما تلك المتعلقة بتوجيه بوصلتها في الصراع العربي ـ "الإسرائيلي".

هذا بالطبع بالاضافة الى السودان، الذي لم يشف بعد من صراعاته الداخلية، والشرخ الكبير الذي تعرض له، ما يجعله عاجزاً عن التحرك أيضاً، في حين أن ما بقي من الشمال الإفريقي، أي المغرب لا أحد يعلم ما إذا كانت قواته تشكل درعاً حقيقيا لطرح الامير في الدوحة، أما الأردن، فهو لن يستطيع وحده القيام بهذه المهمة عن العرب، كما فعلت سورية في فترة تدخلها في لبنان إبان حربه الأهلية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي عوضاً عن كل العرب الذين دخلوا مع القوات السورية فلكلورياً، ومع قوات المتعددة الجنسيات "كمالة التشكيلة". وتجدر الإشارة هنا الى أن القوات السورية التي دخلت الى لبنان، قدر عددها بثلاثين ألف جندي، غطوا أقل من ثلتي مساحة لبنان البالغة 10452 كلم مربعاً في حين أن مساحة سورية تبلغ 185180 كلم مربعاً ليطرح السؤال عن حجم القوات التي ستحتاجها لتغطية مهمات الردع فيها.

لم يبق في الأفق غير درع الجزيرة الخليجية التي دخلت الى البحرين، لدعم النظام في وجه شعب أعزل، وبذلك استطاعت قوات ذلك الدرع، أن تتمرجل على نساء البحرين وفتياتها قبل شيبها وشبابها، في حين أن درع الجزيرة التي باتت الآن جاهزة لخوض الحروب، بعدما شعرت أن الغرب غير مستعد للدخول في اية حروب غير مضمونة النتائج، كما هي الحال مع إيران والآن مع سورية، في حين أن التجربة التي خاضها الجيش "الاسرائيلي" في لبنان ما زالت شاخصة في الأذهان.
لن يكون هناك تفسير للزج بقوات درع الجزيرة في قوات عربية مشتركة الى سورية سوى عنوان مذهبي وطائفي صبغ دخولها الى البحرين، وهو سرعان ما سيصبغ دخولها الى سورية بفعل تركيبتها المتنوعة، عدا عما يمكن ان ينتج من ذلك الخيار من اعتداء على خيارات المقاومة والممانعة في وجه العدو "الإسرائيلي" الذي لم يعد عدواً بالنسبة للجزيرة برمتها ودرعها المصون بدرع غربي من المعدات والأسلحة الثقيلة، استخدمت "إسرائيل" مثلها في لبنان؟!.
في "ذكرى" مرور شهر على البروتوكول العربي وبعثة المراقبين، ثمة افكار غير صالحة وغير بريئة تطرح للتدخل، ما يعني الإصرار على خوض المعركة ضد سورية، مهما طالت. إلا أن مصادر عربية قالت: إنه يجب النظر الى ما خلف الطرح القطري من إمكانية لتدخل أجنبي غربي مدفوع الثمن من أموال قطر والعرب، لا يبدو حتى الآن أنه موضع موافقة في ظل الموقف الروسي الواضح حيال معالجة الأوضاع في سورية، والذي ينطوي على بعد استرتيجي يتعلق بمصالح روسيا في المنطقة والعالم، والتي تمر عبر التركيبة الحالية المعمول بها في سورية. 

السابق
مهندس الحملة الاميركية على كوريا يربط بين ازدهار المصارف اللبنانية ونشاطات غير مشروعة لحزب الله
التالي
ثورة.. أم مخاض؟!