خطة أميركية للتدويل التدريجي

الأحد المقبل سيكون مُهمّاً في مسار التعريب في سوريا. لكنّه على الأرجح سيطلق الإشارة للتدويل. فالحلّ العربي قد فشل بنشر المراقبين، ويُنتظر فشلُه باقتراح نشر القوّات الرادعة.

هل سيوافق مجلس الجامعة العربية في اجتماعه المنتظر على إرسال قوّات عربيّة إلى سوريا، في اعتبار ذلك الورقة الأخيرة التي يمكن الجامعة أن تلعبها هناك قبل إعلان الإفلاس؟

الواضح أنّ عوائق كبيرة تعترض هذه الخطوة. وعلى رغم الدعوة التي أطلقها أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة، عبر محطة "سي. بي. إس" الأميركيّة، إلى إرسال قوّات عربية إلى سوريا، فإنّ القطريّين أنفسهم يدركون صعوبة تحقيق هذا الهدف. إذ ينقسم العرب حول سوريا، وينشغل كلّ منهم بمشكلاته الخاصة. وتكاد الدوحة تبدو وحدها في المنازلة المصيريّة مع النظام السوري، لأنّ الدول الخليجية الأخرى تَراجَعت حماستها تحت وطأة الحسابات السياسيّة والتهديدات الأمنيّة الداخلية. وهذا ما شجّع القوى العربية الداعمة أو "المتفهّمة" للنظام على تظهير موقفها داخل الجامعة العربية. وهي ليست دوَلاً صغيرة أو هامشية، كمصر والعراق والجزائر. والأرجح أنّ أصواتاً سترتفع في اجتماع الأحد تدعو إلى إعطاء الرئيس بشّار الأسد مزيداً من الفرص، بعد إطلاقه المبادرات الإصلاحيّة الأخيرة.

وهكذا يوشك الحلّ العربي على السقوط تماماً. وبدأ القطريّون يعملون للانتقال إلى الخطوة الثانية، بدعم أميركي، أي إلى التدويل. وأساساً، لم يكن لدى قطر اقتناع بأنّ الحلّ العربي سيوصل إلى نتيجة في سوريا. وتبيّن أنّ الدوحة بمبادرتها لحلّ الأزمة، ثمّ نشر المراقبين، والدعوة اليوم إلى إرسال قوّات عربية، أرادت تبرير الانتقال بالملفّ إلى التدويل، بمباركة الجامعة العربية.
 موسكو تُحاذِر الانزلاق

لكنّ التدويل في سوريا ليس نزهة. وعلى الأقلّ، ليس في سهولة التدويل في ليبيا. وتؤكّد موسكو أنّها لن تقبل بـ"التعرّض للخديعة" وخسارة حليفها الأسد مثلما خسرت معمّر القذافي. وهي اليوم مرتاحة إلى موقعها في المعادلة الاستراتيجية الحاليّة في الشرق الأوسط، بعد انسحاب الأميركيّين من العراق. ولذلك، هي لن تتراخى في مجلس الأمن دفاعاً عن موقعها الشرق أوسطي. كما أنّ نموّ السلفيّات في المنطقة يثير حفيظتها، على خلفيّة المسألة الشيشانيّة.

وهذه الممانعة الروسية تدفع الأميركيّين إلى اتّباع خطّة متأنّية للتدويل، بعدما تولّت قطر مهمّة استنفاد المبادرات العربية. وتهدف الخطّة إلى "إقحام" موسكو ودفعها إلى الانزلاق تدريجاً في قرارات مجلس الأمن المتعلقة بسوريا. وتنطلق الخطة، وفقاً لمصادر ديبلوماسيّة، من مشروع القرار الروسي الذي هو قيد النقاش في المجلس، والذي يساوي بين النظام والمحتجّين، إذ يدين العنف من جانب جميع الأطراف. فمجرّد قبول موسكو بإمكان إصدار قرار دولي حول سوريا فهذا يُعتبر خطوة إيجابيّة. وسيكون الهدف الأميركي تعديل القرار، بدعم أوروبّي، لتكريس صفة المعارضة السلميّة للنظام.

حظر على السلاح

وبعد ذلك، تسلك الأمم المتّحدة من خلال مفوّضية حقوق الإنسان طريقاً يثبت استمرار عمليّات القمع ضدّ المدنيّين. وهذا ما يستتبع فرض منطقة حظر جوّي لحمايتهم، وكذلك فرض حظر على شحنات الأسلحة إلى النظام. وكانت واشنطن أبلغت موسكو استياءها، بعد انكشاف شحنة الأسلحة الروسيّة عبر قبرص، في موازاة نشر قطع من أسطولها مقابل طرطوس.

وتُواجِه الخطّة الأميركيّة لإسقاط النظام من خلال التدويل حذَراً أوروبّياً إزاء التدخّل العسكري في سوريا. كما أنّ موسكو، ومعها بكين، ستقفان حائلاً دون تحقيق هذا الهدف. وقد تجد واشنطن نفسها في الوسط الدولي المتردّد إزاء التدخّل العسكري في سوريا، تماماً كما هي قطر في الوسط العربي المتردّد إزاء التدخّل الحازم، لا بالمراقبين ولا بقوّات رادعة.

وفي تقدير المصادر الديبلوماسية أنّ المخرج الوحيد الذي يمكن أن يُقنع موسكو بالانخراط في عملية إسقاط الأسد هو حصولها على ثمن أو بديل استراتيجي. وهذا الثمن غالٍ جدّاً، وليس واضحاً من هو الذي سيتولّى دفعه.  

السابق
التدارك قبل الانهيارات
التالي
هل تقدم إيران على توجيه ضربة استباقية لتعزيز وضعها الاستراتيجي في المنطقة؟