تركيا طرقت الباب الخطأ

تعيش «إسرائيل» حالة من «النشوة» وهي ترصد المشهد العربي المستجد في ضوء ما يحكى عن «ربيع عربي» يؤدي في مضمونه الغرض ذاته الذي جهدت الدولة العبرية على مدى أكثر من ستة عقود من الزمن لتحقيقه.
من المؤكد أن المستفيد الأول مما يجري في المنطقة وعلى وجه الخصوص في سورية هم عرّابو مشروع الشرق الأوسط الجديد ويأتي في مقدمهم الولايات المتحدة الأميركية و«إسرائيل»، والذي يحمل عنواناً عريضاً بات معروفاً للقاصي والداني، وهو تحويل المنطقة إلى دويلات طائفية مذهبية متناحرة لا يكون في أجندة قاطنيها أي وجود لعبارة العدو «الإسرائيلي»، وشطب أي سطر من الكتاب السياسي الجديد الذي يأتي على ذكر القضية الفلسطينية. ومن نافل القول إن دولاً عدة وفي طليعتها قطر وتركيا قد سارعتا إلى محاولة حجز موقع متقدم لهما على الخارطة الجديدة التي ستنشأ حكماً نتيجة المتغيرات التي تضرب العالم العربي من كل حدب وصوب، فهما لجأتا على المستوى السياسي إلى الانسياب وراء الموجة الأميركية التي تعمل على مصادرة الثورات العربية بعد أن انتهت من مصادرة الثروات، كما أنهما دخلتا بقوة على الخط الميداني من خلال عامل المال والسلاح وتغذية النعرات التي تساهم إلى حد كبير في إحداث الشرخ المطلوب داخل مجتمعات بعض الدول العربية خصوصاً تلك التي تشكل رأس حربة في ما خص المقاومة والممانعة للمشروع الأميركي ـ «الإسرائيلي» في المنطقة والذي بدأ تنفيذه بعدوان عام 2006 على لبنان ومن ثم أكمل في الحرب التي شنتها «إسرائيل» على قطاع غزة، وهو يكمل طريقه اليوم بأساليب مختلفة ومتعددة وبأصابع مخابراتية وعربية على حدٍ سواء.  من المؤكد أن المشهد العربي مع قابل الأيام سيكون حتماً مختلفاً جداً عمّا كان عليه قبل أن يحرق بو عزيزي نفسه في تونس ليكون الشرارة التي انطلقت في عملية إسقاط الرئيس زين العابدين بن علي، ومن ثم الإطاحة بالرئيس حسني مبارك، وبعده هدم الهيكل على رأس الرئيس الليبي معمّر القذافي، غير أن ذلك لا يعني على الإطلاق أن تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد وضع على السكة، إذ أن المعطى السوري مختلف تماماً عن المشهد الآنف الذكر، حيث أن البيئة الحاضنة لهذا المشروع غير موجودة في هذا البلد الذي ما زالت غالبية الشعب فيه ملتفَّة خلف قيادته، حيث لم يجرؤ أي رئيس عربي أو غير عربي أن يظهر بين الناس في خضم أزمة تستخدم فيها جميع أنواع الأسلحة السياسية والدبلوماسية والنفسية والعسكرية والمخابراتية ويخاطبهم وكأنه في برج عالٍ محاط بسور يصعب على أي آلة عسكرية تجاوزه، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن ما يفتش عنه الأميركي و«الإسرائيلي» والبعض من العرب لن يجدوه في سورية التي كانت وستبقى الصخرة التي ستتحطم عليها مؤامرات هؤلاء مهما كان الثمن غالياً، وكان الرئيس الأسد واضحاً في كل كلمة قالها بأن المرحلة المقبلة لن تكون لصالح من ناصب سورية العداء، كما أنه عكس بوضوح في عباراته مزيجاً من القوة والثقة بالنفس بأن سورية ستخرج من هذه الأزمة منتصرة، فبقدر ما بعث هذا الخطاب الأمل في نفوس أبناء الشعب السوري، بقدر ما شكل خيبة أمل لدى الإدارة الأميركية ومن يدور في فلكها.

إن من الخطأ الفادح أن تعتبر تركيا أن إحراقها كل المراكب مع سورية، سيعزز مكانتها في المنطقة وسيدخلها من الباب الواسع إلى الاتحاد الأوروبي المصاب بمرض الإفلاس والتردي الاقتصادي، كما أنه من الخطأ أن ترى تركيا بطعن دمشق في الظهر جسر عبور لها لإعادة العهد العثماني إلى المنطقة العربية، إن ما تقوم به تركيا من سياسات خاطئة سيرتد بالطبع سلباً عليها وهي تعاني ما تعانيه على المستوى الداخلي، كما أنها ستدفع بلا ريب الثمن الأعلى في المنطقة لعدم إدراكها بأنها طرقت الباب الخطأ عندما اعتقدت بأنها قادرة على الاستثمار في الأزمة السورية، ذلك لأن الموضوع السوري على المستويين الإقليمي والدولي معقد إلى درجة تجعل تركيا عاجزة عن فك ألغازه أو اختراقه، وهي ستجد نفسها آجلاً أم عاجلاً عالقة في المستنقع، بعدما أوصلت نفسها من خلال سياسة قادتها إلى آخر درجة في السلم، فلا هي قادرة على التراجع، ولا باستطاعتها أيضاً التقدم أكثر لأن مصيرها سيكون السقوط.
إن القادة الأتراك برهنوا من خلال مقاربتهم للملف السوري بأنهم مراهقون على المستوى السياسي ويفتقدون الى الحنكة والحكمة في التعاطي مع ملف هو الأخطر في المنطقة ولا يحتمل المزاح أو اللعب به، فالأتراك فاتهم أن استقرار سورية هو استقرار للمنطقة، وأن أي مغامرة على المستوى العسكري ضد هذا البلد، ستكون بمثابة الزلزال الذي لن يكون في مقدور أحد التنبؤ بنتائجه، فالولايات المتحدة الأميركية ومعها «إسرائيل» تدركان هذه الحقيقة، وما على بعض العرب والأتراك إلا القراءة جيداً في الكتاب السوري قبل فوات الأوان.  

السابق
وزير الدفاع الإسباني يتفقد الكتيبة
التالي
اختتام مؤتمر حقوق المرأة الإنسانية في القضاء العربي