التدارك قبل الانهيارات

لنا كل الحق ألّا نثق بمؤسساتنا، ما دام من هم على رأس هذه المؤسسات يؤكدون ان الدولة غير مسؤولة. سواء انهار مبنى او تصدع جسر، او طافت الطرقات بالمياه، او امتشق الاهالي سلاحهم ليحلّوا نزاعاتهم بأنفسهم، فالدولة غير مسؤولة.
لنا كل الحق في أن ننظر بعين الريبة، ما دام وزير الداخلية، نجم هذه الحكومة، يطلق اربعة مواقف حول الامن القومي وحول الملف نفسه، الاول يقول انه لا يوجد تنظيم للقاعدة في لبنان، والاخير يؤكد فيه انه اقتنع برأي وزير الدفاع حول دخول التنظيم الى لبنان من سوريا (حيناً) وكرر معلوماته بأن التنظيم يدخل الى سوريا من لبنان. وبين موقفي وزير الداخلية المتناقضين، موقفان آخران اكثر همايونية مما يمكن تخيله.

لنا كل الحق ان نشك بكل شيء، فرئيس البلاد يتجول فوق انقاض مبنى منهار في الاشرفية ليؤكد أن الواجب هو تدارك وقوع المباني قبل حصوله، من دون ان يحدد من الذي عليه هذا الواجب، ومن الملوم، ومن المكلف اساساً بمهمة من هذا النوع، ثم إن وزير داخليته يؤكد أن الدولة غير مسؤولة، وبالتالي ربما الملوم هم الناس انفسهم الموجودون لحظتها تحت الانقاض. بدل ان يدعوا المبنى لينهار ويظهر تفكك اجهزة الدولة، ويدفع بوزير الداخلية للتأكيد على عدم مسؤولية الدولة عما يحصل.
لنا الحق ايضاً ان نشك بأن الركام الذي ازيل لا يزال يحتفظ ببعض من البشر المسحوقين اسفله، فمع تأكيد وزير الداخلية نهاية الاعمال في رفع الانقاض اوضح ان العمال الاجانب المفقودين «قد» يكونون فضلوا عدم التصريح عن وجودهم خارج المبنى لأنهم لا يحملون اجازات عمل شرعية، ولنا ملء الحق، ومن منطلقات شكنا الدائم بدولتنا وحكوماتنا واجهزتنا كافة، والمؤسسات، ان نقول انه وبالمقابل «قد» يكون العمال الاجانب مخلوطي اللحم بالانقاض رفعوا مع الردميات.

لكل مواطن الحق الكامل في أن يشك بأن حادثة مبنى الاشرفية ستتكرر مراراً وحتى الملل، ولن تكون هناك متابعة ولا محاسبة ولا اهتمام بالاوضاع، وأن ما جرى تداوله في جلسة مجلس الوزراء حول المبنى يثير الضحك اكثر مما هو مناقشة جدية لسلطة مسؤولة، علماً أن الوزير (اياه) اكد لنا أن الدولة غير مسؤولة. ولكل مواطن الحق في أن يشك بأن هذه الدولة تتعامل مع كل الفضائح التي تواجهها بمنطق الرشوة، فترشو السكان الناجين، وتدفن الضحايا والمسؤوليات.
لنا ملء الحق في أن نشك بأن اول عامل منع البلديات من التحرك كان المحسوبيات، وان البلديات التي تصدر تصريحات متناقضة تغرق في الفساد كما اجهزة الدولة، وسياسيوها، وقمة الهرم، وصولاً الى شرطة السير وقوى الامن وغيرها من الاجهزة. ولنا ملء الحق في أن نقول إن الكل يكذب.ولكل مواطن الحق في أن يفكر ويسأل لحظة اعلان عدم اهلية جسر جل الديب للبقاء، عن الجهة الملتزمة حاليا لأعمال الفك، واعمال الازالة، وعن صلة الشركة التي ستلتزم أعمال انشاء جسر جديد بالوزير، او المدير العام، او رئيس مصلحة. وعما سيحصل عليه ضابط الدرك في تلك المنطقة من منفعة من وراء كل ما سيكون من اعمال بناء.

ولكل مواطن الحق في أن يذكر المسؤولين، من رئيس الجمهورية، نزولاً نحو وزيره المدلل للداخلية، الذي تحدث عن عدم الاستهانة بأمور المباني، ان الدولة نفسها تغض النظر عن عشوائيات من البناء تحصل مع كل ازدهار لموسم نزاع طائفي، كبدل تعويض لأبناء الطوائف عن عدم قدرتهم على التهام بعضهم لحم بعض. ويجب ان نتذكر انها سياسة رسمية للدولة، دشنها الشهيد رفيق الحريري حين اعلن عن رشوة الطوائف لشراء السلم الاهلي.

ولكل مواطن الحق في الدفاع عن مخالفاته للبناء، وعن بنائه الذي لا يلتزم فيه بالمواصفات، فأولاً النظام السياسي لا يلتزم بمواصفات تداول السلطة، الا كما يرغب ويشاء، وإلا فما معنى النقاش حول القوانين الانتخابية مرة كل اربعة اعوام، لنخلص الى قوانين مخالفة لكل مواصفات الابنية الآمنة، وثانياً المواطن المخالف قد دفع كفارة بنائه المخالف عدّاً ونقداً بيد اكثر من مسؤول، من البلدية الى الدرك الى كل من زاره خلال عمله المخالف من اجهزة الدولة.
ولكل مواطن الحق بالشك، ما دام الكل يعلم أن العدالة في لبنان تسير خلافاً للقوانين والدساتير، فها هي المحكمة الدولية لا تحمل بصمة رئيس البلاد، وها هو رئيس البلاد لا يطالب بأن يضع بصمته على بروتوكول المحكمة، بل يكتفي بتوجيهات مثل تدارك الامر قبل انهيار المبنى.
فعلاً، ربما يجب عليه تدارك الامر قبل انهيار المبنى.  

السابق
الاسير عند الحريري؟!
التالي
خطة أميركية للتدويل التدريجي