ماذا ينتظر لبنان والمنطقة في آذار المقبل؟

يوحي الوضع السائد في لبنان وعلى مساحة المنطقة هذه الأيام أن الجميع يستعدون لـ«حدث ما كبير» أو أكثر سيحصل، وأن كل ما يجري من تحركات في مختلف الإتجاهات غايتها التحضير لمواجهة تداعياته أو للإستثمار في نتائجه.
ويبدو أن نقطة الارتكاز لهذا الحدث المتوقع، أو المنتظر، هو الوضع السوري، الذي تنقسم النظرة لبنانياً واقليمياً ودولياً الى مستقبله بين قائل بأنه آيل الى تغيير في النظام أو للنظام، وآخر مستبعد ذلك ومتوقعاً ان يستعيد هذا النظام زمام المبادرة في ضوء المواعيد الاصلاحية التي اعلنها الرئيس بشار الأسد في خطابه الأخير.

والواقع ان التطورات الجارية على الجبهتين الاقليمية والدولية توحيان بأن ثمة مخاوف جدية من نشوب حرب، أو حروب اقليمية، ربما يراد استثمارها انتخابياً وسياسياً في استحقاقات عدة ستتزاحم ابتداء من مطلع آذار المقبل:

ـ لبنانياً، يستحق انتهاء صلاحية العمل ببروتوكول المحكمة الدولية والذي بدأ يدور جدل قانوني وسياسي حول ديمومتها، أو لزوم التجديد له من عدمه.

ـ سورياً، يستحق موعد الإستفتاء على الدستور الجديد والذي ستُجرى في ضوئه الانتخابات النيابية وتأليف حكومة جديدة.

ـ روسياً تستحق الانتخابات الرئاسية التي يُرجح ان يفوز فيها رئيس الحكومة فلاديمير بوتين، مهندس العلاقة الروسية ـ الايرانية، وكذلك العلاقة الروسية ـ السورية.

ـ فرنسياً، تدخل باريس في إستحقاق انتخاباتها الرئاسية، حيث يطمح رئيسها الحالي نيكولا ساركوزي الى الفوز خلالها بولاية جديدة. وهذه الانتخابات ستجري بعد أقل من مئة يوم.

ـ اميركياً، ستدخل الادارة الاميركية في مدار التحضير لانتخاباتها الرئاسية في أواخر السنة، حيث يطمح رئيسها باراك أوباما الى الفوز خلالها بولاية جديدة.

ـ عربياً، يستحق انتقال رئاسة القمة العربية من قطر التي تتخذ موقفا معارضا للنظام السوري على كل المستويات، الى العراق الذي يؤيد هذا النظام ويشارك في مبادرات حلول للأزمة السورية.

وفي ضوء هذه الاستحقاقات مجتمعة، والى جانب ما يمكن ان يطرأ من استحقاقات ليست معلومة حتى الآن، أو ربما تكون مكتومة، فإن الوضع في لبنان والمنطقة مفتوح على احتمالات شتى:

اولاً- في لبنان سيكون مصير الحكومة مطروحاً بقوة لدى البحث في بروتوكول المحكمة، على رغم ما يقال من أن تجديد العمل به لا يحتاج الى قرار حكومي، إذ أن معارضي تجديده او الداعين الى تعديله، وهم فريق فاعل ومؤثر في الوضع الحكومي، يدرسون الآن الخيارات التي يمكن أن يلجأوا اليها، ومنها بقاء الحكومة أو تطييرها، ويبحثون في هل ان بقاءها مفيد سياسياً لهم ولمشروعهم السياسي في ضوء الازمة السورية وبقية المتغيرات العربية، أم انه غير مفيد، وهل ان تطييرها وترك البلد بلا حكومة في ظل الاوضاع المحلية والاقليمية القائمة مفيد أم لا؟
 وفي المقابل فإن فريق المعارضة يُغرّد في السرب الإقليمي والدولي المعارض لدمشق، أو المتوقع سقوط النظام السوري، حيث يتصرف على أساس ان "تغييرا جذريا" سيحصل في سوريا، مستندا الى معطيات تركية واقليمية ودولية توافرت لديه في هذا الصدد، وهو في ضوء ذلك بدأ يعد العدّة "لمرحلة ما بعد نظام الأسد"، متوقعاً ان يكون المستقبل السياسي اللبناني والعربي لمصلحته، خصوصا وان البلاد مقبلة على إستحقاق الانتخابات النيابية في ربيع 2013.

ثانيا- في سوريا، يخوض النظام الآن غمار تحد كبير في اتجاه تنفيذ الاصلاحات وفق البرنامج الزمني الذي اعلنه الرئيس السوري، وذلك في موازاة سعيه الى استيعاب حركة الاحتجاج القائمة ضده وتأطيرها بهذا البرنامج، وفي الوقت نفسه مواجهة الجماعات المسلحة في مختلف المناطق السورية التي ترفض هذه الاصلاحات وتعمل وفق اجندة خاصة تدعمها قوى اقليمية ودولية تريد للنظام السوري ان يسقط.

ثالثا- في تركيا، فشلت أنقرة حتى الآن في الحصول على تغطية اقليمية ودولية لتدخل عسكري مباشر في الأزمة السورية، وبدأت تشعر بمخاطر يمكن ان ترتد عليها كلما طالت هذه الأزمة ويعكس ذلك التناقض في مواقفها وتصريحاتها، وكذلك احجامها المستمر عن الانخراط في أي عملية سياسية لمعالجة الازمة السورية سواء في اطار جامعة الدول العربية التي نشرت مراقبيها على الاراضي السورية، أو في غيرها.

وقيل ان انقرة تلقت تحذيرات "شديدة اللهجة" من المثلث السوري ـ العراقي – الايراني تدعوها الى اعادة النظر في موقفها من الوضع السوري، تحت طائلة غض الطرف عن الشأن الكردي وشؤون أخرى تتصل بمصالح تركية حيوية على المستوى الاقليمي.

رابعا ـ روسياً وصينياً، ثمة تقاطع مصلحي وسياسي، وربما استراتيجي، على وجوب وضع حد للتفرد الاميركي في قيادة العالم، وهذا التقاطع بدأ منذ "الفيتو الثنائي" الشهير الذي اتخذته موسكو وبكين في مجلس الامن الدولي قبل أكثر من شهرين ضد مشروع القرار الاميركي ـ الغربي الشهير الذي أراد اتاحة التدخل العسكري الدولي في سوريا على غرار التجربة الليبية.

والبعض يقول ان "الدب الروسي" بالتعاون مع "التنين الصيني" غيرا بهذا "الفيتو" قواعد اللعبة في السياسة الدولية التي بدأت اثر إنهيار منظومة الاتحاد السوفياتي مطلع التسعينات من القرن الماضي لمصلحة الآحادية الاميركية في قيادة العالم، وربما أنهما وضعا العالم الآن امام معادلة جديدة ستكون كفيلة بمنع حصول أي حروب جديدة، بحيث يكون ما جرى في ليبيا "مسك الختام" في هذا المضمار.

ويقول مطلعون في هذا المجال أن الأزمة، بل الازمات الاقتصادية التي تضرب اوروبا والولايات المتحدة الاميركية حالياً، لا يمكن ان تسمح لأي من الجانبين التفكير في خوض أي حروب جديدة، وأن كان البعض يقول ان الأزمات الإقتصادية غالبا ما تفجّر حروباً تكون الغاية منها اقتصادية من خلال إنعاش تجارة السلاح في المناطق التي تحصل فيها هذه الحروب وجوارها.

خامسا- اميركياً واسرائيلياً واوروبياً، تدل المؤشرات على ان هذا المحور ربما يرغب بقوة في توجيه ضربة عسكرية لايران. وبعض التقارير يتحدث عن أن اسرائيل "تطحش" بقوة في اتجاه واشنطن للحصول على تغطية لضربة من هذا النوع، ولكن الجواب الاميركي حتى الآن هو الرفض المبرر بأن أي حرب في الظروف الراهنة ستكون نتيجتها الفشل الذريع.

والبعض يقول انه قد تكون هناك مصلحة سياسية وانتخابية لدى كل من اوباما وساركوزي واسرائيل بتوجيه مثل هذه الضربة لايران لتقويض برنامجها النووي ومنع صعودها العلمي والتكنولوجي المتنامي. ولكن طهران تبدو متيقظة لمثل هذه الحرب، ولهذا فإنها تستمر في مناوراتها البحرية والبرية والجوية منذ أشهر، وتهدد باغلاق مضيق هرمز ردا على العقوبات النفطية وغير النفطية المطروحة ضدها. لكن هذا البعض يعتقد في الوقت نفسه ان موسكو وبكين قد لا تقفا مكتوفتين، وخصوصا روسيا، التي تعتبر أن ايران تقع ضمن نطاق أمنها الاقليمي والقومي، فضلاً عن ان كثيرين يعتقدون ان توجيه أي ضربة لإيران يمكن أن يكون معروفاً حجمها، ولكن لن يكون معروفاً مسبقاً ما سيكون عليه حجم ردة الفعل الايرانية عليها، بل يتخوفون ان تؤدي هذه الحرب الى إشعال المنطقة برمتها.

ولذا بدأ يسود الأوساط المتابعة اعتقاد بأن التهديدات الاميركية والغربية والاسرائيلية لايران لا تتخطى حتى الآن حدودها الاعلامية، وان العمليات الامنية التي تستهدف علماء نوويين ايرانيين من حين الى آخر، تدل في وضوح على أن واشنطن وتل ابيب وحلفائهما الغربيين ليسوا بقادرين على شن حرب على ايران، ولذلك لجأوا الى مثل هذه العمليات اعتقادا منهم ان من شأنها ان تقوض البرنامج النووي الايراني عبر تفريغه من طاقمه العلمي.

ولكن على رغم من كل ذلك، فان إيران لا تسقط من حسبانها إحتمال الحرب وتأخذ التهديدات التي تتعرض لها على محمل الجد، وفي الوقت نفسه فإن دمشق التي تؤكد أنها بدأت تقترب من السيطرة على الأزمة لا تسقط هي الأُخرى من حسبانها احتمال تعرضها لحرب خارجية، سواء من البوابة التركية، أو من البوابة الاسرائيلية. ويعكس هذا الحذر السوري الاستنفار الدائم في صفوف المقاومة في لبنان لمواجهة أي طارىء اسرائيلي يمكن ان يحصل، سواء ضعفت دمشق أمام الأزمة أم استوعبتها. ذلك أن في حسابات حزب الله الدائمة ان مقاومته مستهدفة في أي وقت، أياً كان الوضع الذي ستؤول سوريا إليه.  

السابق
هل يكون حزب الـله الهدف التالي بعد سوريا وايرن ؟
التالي
جميّل: لنا تحفظات على القوات