عصب يتزايد نخره يوماً بعد يوم

بعد خطاب بشّار الأسد الأخير، الذي يُعدّ نقلة نوعيّة في الهجوم على المجتمع السوريّ، وبعد ظهور علامات تردٍّ خطير في العلاقات الإيرانيّة – الغربيّة، هناك أسباب وجيهة للقول إنّ "حزب الله" قد يُضطرّ إلى ربط لبنان بالتأثيرات السلبيّة لما يجري في المنطقة.

لكنْ إذا سارت الأمور في اتّجاه آخر، ووجدت إيران أنّ من الأفضل استيعاب النزاع بالتي هي أحسن، توافرت أسباب لا تقلّ وجاهة لافتراض العكس، أي لافتراض المضيّ في تعايش صعب بين سلم أهليّ بارد جدًّا وبندقيّة "حزب الله".

في هذه الحال ستكون أوضاع الحزب سيّئة يصعب التستّر على مدى سوئها. ففضلاً عن خسارة الدعم السوريّ، وانهيار الجسر الذي يربط لبنان بإيران بسبب الانتفاضة السوريّة، يعاني الحزب أزمة انكشاف الايديولوجيا التي تغطّي مشروعه الفئويّ، أي إيديولوجيا المقاومة. فقد استُعملت الأخيرة، كما تُستعمل كلّ إيديولوجيا، للتستّر على الطبيعة الفعليّة (الطائفيّة/الدينيّة) للحزب ومشروعه، ومن أجل تعميم هذه الطبيعة وتنسيبها إلى قوى وأفكار تتجاوزها.

وهذا ما بات من الصعب جدّاً القيام به اليوم، مع بلوغ الفرز الطائفيّ حدًّا غير مسبوق، وفي ظلّ توقّف المقاومة عمليّاً منذ صدور القرار الدوليّ 1701. فكيف إذا ما تراجعت قدرات "حزب الله" بسبب ضمور المدد السوريّ – الإيرانيّ؟.

ومع أزمة انكشاف الايديولوجيا، التي يظهّرها الموقف من الانتفاضة السوريّة، يتبدّى كم بات الحزب خارج التيّار المدنيّ العريض باهتماماته الثقافيّة والمجتمعيّة على اختلافها.

حتّى البيئة اليساريّة الضيّقة التي كانت تزوّد الحزب بخدمات "فكريّة" لا يطلبها، وأحياناً لا يريدها، صارت تتحرّك كمثل سيّارة مقودها يسير في اتّجاه غير الاتّجاه الذي يسير فيه الدولاب. وهذا ما تنمّ عنه بضع مقالات نشرتها الصحافة "اليساريّة" مؤخّراً فجاءت مرآة للتخبّط والضياع "المَحميّين" دوماً بالتفاهة والشتيمة.

وعلى العموم لن يكون من الصعب توقّع المزيد من التفسّخ يصيب بيئة الحزب المباشرة، واضعاً إيّاها في تناقضات ذاتيّة وداخليّة تؤجّجها التراكيب الأهليّة والتردّي الأمنيّ وبعض ظاهرات "الفلتان" في مجتمع محافظ. ولن يكون من الصعب، تالياً، توقّع التعرّض لتآكل بطيء، إنّما متصاعد، يجتثّ فعاليّة "حزب الله" وإن أبقاه جسداً ضخماً وصوتاً بالغ الارتفاع.

وإذا جاز افتراض كهذا، جاز التأكيد على أهميّة تجديد المخاطبة والطمأنة للطائفة الشيعيّة، وتناسي "حزب الله" والعزوف عن استفزاز يستخدَمه أداةً لإحياء عصب يتزايد نخره يوماً بعد يوم.

السابق
نتنياهو: مهلة الاجتماعات الاستكشافية تنتهي في 3 نيسان والسلاح يتدفق من ليبيا الى غزة
التالي
إيطالي يشكر الشرطة لأنها ألقت القبض عليه