شباب عرب يبحثون عن حل لأزمة المياه

واحد في المئة هي حصّة شبه الجزيرة العربية من مصادر المياه المتجدّدة في الشرق الأوسط فقط على رغم أنّ مساحتها تعادل 47 في المئة من مساحة المنطقة، وكذلك فإنّ مصادر المياه في الشرق الأوسط تمثّل 1.1 في المئة من إجماليّ مصادر المياه المتجدّدة في العالم. نسبٌ دقيقة تدّق جرس الإنذار لكلّ مواطن عربيّ وخصوصاً الفئة الشبابية التي بات خطر فقدان المياه بالنسبة اليها داهم، ما يعني أنّ الأجيال المقبلة ستجد نفسها في مأزق تاريخيّ إذا لم يتمّ تحفيز أي مبادرات تكون لها مساهمة في إنقاذ الشرق الأوسط من الجفاف الكامل.

مبادرة لنشر المعرفة

انطلاقاً من هذا التوّقع الذي بات أقرب الى الواقع في العديد من الدول العربية، أطلق المجلس الثقافيّ البريطانيّ وشركة «رولز رويس» مسابقة «التحدّي العلميّ الكبير» للعام 2012 ضمن إطار إجراء الطلاب وأساتذتهم في كلّ من السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن والكويت وقطر وعُمان والبحرين أبحاثاً تهدف الى إيجاد حلول مُبتكرة لمشكلة تتعلّق بأزمة المياه. فمن خلال هذا التحدّي، استطاعت الجهتان المنظّمتان الجمع بين عملين مهمّين: تطوير المهارات العلمية والبحثية لدى الطلاب المشاركين أولاً ودفعهم الى الإبتكار وتقديم الأفكار الجديدة في قضية المياه التي ترتبط بمجتمعهم المحليّ قبل أن تكون شاملة للمنطقة كلّها.

وتوضح مديرة الإتصالات للمشاريع الإقليمية في المجلس الثقافيّ البريطانيّ ألين كيوان، في حديث الى «الحياة»، أنّ المسابقة تشمل أيضاً طلاب المدارس الثانوية في المملكة المتحدة لتكون هناك استفادة متبادلة بينهم وبين الطلاب العرب المشاركين، وهي تستمر حتّى الثالث من شباط (فبراير) 2012. كما يُشارك في هذا التحدّي طلاب تتراوح أعمارهم بين 11 و16 سنة بهدف زيادة التوعية حول مشاكل المياه سواء محلياً أم إقليمياً أم عالمياً وللمساعدة في حماية الموارد المحدودة من المياه. وتقسم كيوان مراحل المسابقة الى أربع مراحل: تحديد المشكلة أولاً، إجراء البحوث ثانياً، عملية الفحص وإجراء التجارب ثالثاً والمرحلة الأخيرة تتمثّل في حلّ المشكلة عبر تصميم حلِّ منخفض التكلفة ومبتكر لمشكلة نقص المياه. أمّا الجائزة للفرق الرابحة فهي زيارة العاصمة البريطانية لفريق من كلّ من الدول المشاركة الى لندن لمدة أسبوع لحضور برنامج للتبادل الثقافيّ والنشاطات التعليمية، إضافة الى إستفادة الطلّاب من إطلاعهم المباشر على عالم الأبحاث والهندسة عن قرب عبر زيارتهم لمراكز «رولز رويس» في المملكة المتحدة.

 وحول رد فعل الأساتذة والطلاب الشباب المشاركين في التحدّي تجاه هذه المبادرة المائية، تقول كيوان إنّ المدارس أظهرت دعماً كبيراً من الناحية الأولى عبر تقديم التسهيلات أي توفير الأماكن والأوقات الخاصة للتحضير للمسابقة وبدعم من الأهل. وهذا ما أتاح للأساتذة والطلاب أن يجتهدوا في التحضير علماً أنّ هناك منافسة شديدة في كلّ من البلدان المشاركة، وتلفت الى أنّها لمست شخصياً حماسة الأساتذة من خلال إجراء المقابلات معهم فكان تركيزهم على نوعية وطريقة التعليم الجديدة التي ترسّخ المعرفة والعلم لدى التلاميذ من خلال العمل التطبيقيّ الذي يقومون به. وكذلك تؤكد كيوان أنّ الطلاب الشباب تحمّسوا لفكرة فوزهم بزيارة لندن، لكن شاغلهم الأساسيّ كان تعلّم أشياء جديدة عن مشاكل المياه في بلدهم وفي العالم، وهم سعداء لأنّهم يقومون بمبادرة، ولو صغيرة، في مجال نشر المعرفة بالتحديات الخطرة التي تواجه الأجيال المقبلة. وتجدر الإشارة الى أنّ المسابقة تأتي ضمن إطار مشروع المجلس الثقافيّ البريطانيّ العالميّ لـ «ربط الصفوف الدراسية»، وهو مشروع تشارك فيه المدارس الرسمية والخاصة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مع مدارس من المملكة المتحدة طيلة العام الدراسيّ ضمن نشاطات منهجية مشتركة في إطار مواضيع تشمل الحفاظ على البيئة وسلامة الطرق وحقوق الأطفال والفنون والإبداع الفكريّ.

مشاريع طموحة

للإضاءة أكثر على المشاريع التي يطرحها الأساتذة كما الطلاب المشاركون، أجرت «الحياة» مقابلات مع مسؤولين في دول عربية عدّة ليوضحوا أسباب المشاركة والطموحات التي يضعونها نصب عيونهم. ويقدم الأستاذ المدرسيّ علي جبر الذي يُشارك من العراق في «التحدّي العلميّ الكبير» رؤيته الخاصة حول مشكلة المياه من خلال الحلّ الذي يقترحه عبر المشروع المبلور مع طلابه، اذ يرى أنّ مشكلة المياه في العراق تحديداً تحتاج الى حلول جديّة وقد تلعب سياسة الإنفتاح على دول الجوار دوراً رئيسياً في معالجتها.

ويوضح جبر أنّ المشروع الذي طرحه أمام المجلس الثقافيّ البريطانيّ هو كيفية إنقاذ الحياة من الجفاف وسياسات التجفيف التي تتعرّض لها أهوار العراق الجنوبية. كما يؤكد جبر أنّ أهم أسباب المشاركة هو تسليط الضوء على مشكلة البحث وتقديم أفكار لباحثين صغار في السنّ يمكن أن تمنحهم المشاركة حافزاً أكبر لتقديم إنتاجات أكثر رصانة مستقبلاً، أمّا الحلول المقترحة فيضعها جبر في خانة المحاولات لإصابة الهدف حيث تكون الغاية هي عصف الأذهان لإبتكار مشاريع حلول على طريق البحث العلمي.

ومن الإمارات العربية المتحدة يشارك الأستاذ المدرسيّ زياد علي مع مجموعة من الطلاب الشباب، وهو يرفع صوت هذه الدولة عالياً لإظهار معاناتها من الشحّ في مصادر المياه الطبيعية ما يدفعها الى الاعتماد على محطّات التحلية للحصول على مياه الشرب، وهذه المحطّات تستهلك كميات كبيرة من الطاقة من أجل تشغيلها. وإنطلاقاً من هذه المشكلة، عمل علي مع طلابه لطرح مشروع حلّ يرتكز على الحصول على مصدر للمياه العذبة من الرطوبة المرتفعة الى تصل أحياناً الى 80 في المئة في معظم أيام السنّة، من طريق ضخّ الهواء المشبع بالرطوبة الجوية الى أعماق البحر حيث تنخفض درجة الحرارة ما يجعلها قادرة على تكثيف بخار المياه الموجود في الهواء وتحويله الى ماء سائل. ويقوم علي تجربة قيادة مجموعة من الطلاب الشباب ضمن هذا المشروع في شكل إيجابيّ جداً، اذ يلاحظ حماستهم خصوصاً أنّ الفكرة الأساسية مستوحاة بشكل كامل من البيئة المحيطة بهم وبالتالي فهم يعالجون مشكلة حقيقة يعيشونها من خلال العصف الذهنيّ الذي يساعدهم في التغلّب على أي مشكلة تواجههم عند تنفيذ المشروع.

كذلك فإنّ الأردن يشارك في هذا التحدّي العلميّ بثبات وعزم، وتشير الأستاذة المدرسية سكينة طحّان في حديث الى «الحياة» الى أنّ مشكلة المياه في الأردن تتمثّل في محدوديتها وسوء إدارتها واعتمادها على المياه الجوفية التي تتغذّى بالأمطار الشحيحة، إضافة الى مشكلة زيادة حاجات المواطنين وقلّة الموارد المالية لبناء السدود وتحلية المياه والإعتداءات الإسرائيلية على المصادر الأساسية المياه. والمشروع الذي يطرحه الفريق الذي تديره طحّان يتمحور حول المياه العادمة وكيفية إيجاد حلول مناسبة لها والفائدة التي ستعود على الأردن إذا تمّ استغلالها بشكل جيّد. كما تشير طحّان الى أنّ طبيعة المسابقة تدعم دراسات الطلاب وتربطها بالتطبيق العلميّ والعمليّ وتغرس نهج الإبتكار والإبداع لديهم.

بهذه الروح من التعاون والمشاركة يحقّق الشباب العرب خطوة نوعية تدعمها المملكة المتحدة، لتكون بداية لمسيرة طويلة تتطّلب تضافر جهود الجهات الحكومية والمنظّمات المدنية والشركات الخاصة لإنقاذ الشرق الأوسط والعالم العربيّ تحديداً من أزمة جفاف كاملة تجعل من الحياة في هذه المنطقة شبه مستحيلة. 

السابق
مضغ القات يسبب أمراض القلب
التالي
نتنياهو: مهلة الاجتماعات الاستكشافية تنتهي في 3 نيسان والسلاح يتدفق من ليبيا الى غزة