بين الدعوة إلى الحوار ودعوات التحريض

ثلاث محطات سياسية شهدها لبنان في الأسبوع الماضي، تمثلت في زيارة كل من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ووزير خارجية تركيا داود اوغلو وخطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. وهذه المحطات الثلاث كانت تتضمن أكثر من قاسم مشترك لناحية المواضيع والمواقف التي تم طرحها، خصوصاً ما يتعلق بتطورات الوضع في سورية ومدى انعكاساتها على دول المنطقة بأسرها بصورة عامة، وعلى الدول المجاورة لسورية بشكل خاص.

زيارة الأمين العام للأمم المتحدة إلى لبنان لم تكن زيارة رسمية، أي بناء على دعوة من المسؤولين اللبنانيين، ولكنها كانت لمناسبة انعقاد مؤتمر الإصلاح الديمقراطي في المنطقة الذي دعت إليه منظمة الإسكوا. ولكن على هامش هذه الزيارة التقى بان كي مون الرؤساء الثلاثة، بغض النظر عن المواضيع والملفات التي بحثها معهم، إلا أن اللافت أن هناك أمرين أساسيين لم يتطرق إليهما مع كبار المسؤولين، وهما ملف المحكمة الدولية الخاصة بلبنان مع اقتراب تمديد العمل بها في شهر آذار المقبل، والذي يتطلب، من وجهة نظر قوى سياسية متعددة ضرورة تعديل قانون هذه المحكمة بعد التزام لبنان موضوع التمويل، والأمر الثاني هو تفادي بان كي مون التركيز على الاعتداءات "الإسرائيلية" شبه اليومية على لبنان وبأشكال مختلفة وتحت أنظار قوات الطوارئ الدولية. ولكن ما كان يهم الأمين العام للأمم المتحدة هو التصويب على سورية، ومحاولة إقناع المسؤولين اللبنانيين بضرورة المساعدة على إقامة ممرات وأماكن آمنة لما يدعيه من وجود لاجئين سوريين على الأرض اللبنانية. وتمثلت وقاحة "الممثل الدولي" هذه المرة، وهو أصبح وباعتراف بعض الجهات الدبلوماسية العالمية، موظفاً صغيراً لدى الإدارة الأميركية، في كلامه عن سورية وعن الرئيس بشار الأسد الذي دعاه إلى وقف العنف ووقف "قتل شعبه" على حد مزاعمه متجاهلاً توجيه مثل هذه الدعوة إلى "الإسرائيليين" بضرورة وقف قتلهم لمئات آلاف الفلسطينيين وسجنهم لعشرات الآلاف منهم، ودعوة مماثلة إلى معلميه الأميركيين بوقف قتل آلاف الأفغان والباكستانيين، وما ارتكبوه من مجازر بشرية بحق العراقيين قاربت الملايين. هذه الارتكابات والجرائم من قبل الأميركيين و"الإسرائيليين" لا يراها "الممثل الدولي" الموظف لدى الإدارة الأميركية وجنسيته معروفة وهي من بلد تستعمره الولايات المتحدة الأميركية التي تربى على ثقافتها.
 وترى مصادر لبنانية، أن "نصائح" ودعوات بان كي مون للرئيس الأسد ليست بالأمر الجديد، ولكن الجديد أن يقولها من عاصمة المقاومة، بيروت وهو لذلك ضيف غير مرحّب به في بلد المقاومة وفي عاصمته، وكل ما نطق به بان كي مون هو صدى للمواقف الأميركية التي يعبّر عنها بأجلى صورها جيفري فيلتمان. ولا بد كما تقول المصادر اللبنانية من التوقف عند عدم زيارة بان كي مون إلى البطريرك بشارة الراعي، إذ في هذا إشارة واضحة إلى العداء الشخصي والسياسي، وهو امتداد لمواقف أميركية وفرنسية من البطريرك الراعي بشأن موضوع المقاومة في لبنان. والأعذار التي تقدم بها الأمين العام للأمم المتحدة حول ضيق الوقت، فيها كثير من الدجل، فكيف لديه الوقت الكافي للقاء قيادات من قوى المعارضة، هي في المعادلة اللبنانية أقل تمثيلاً وحضوراً بكثير من موقع البطريرك الراعي، وهو بطريرك أنطاكية وسائر المشرق؟ وهذا الموقف من بان كي مون يسيء إليه وإلى معلمه أكثر ما يسيء إلى البطريرك الراعي، الذي هو في نظر اللبنانيين رمزاً وطنياً كبيراً بل وأكبر بكثير من بان كي مون وغيره.

والمحطة الثانية تمثلت في زيارة الوزير التركي وهي أيضاً لم تكن بدعوة رسمية إنما مشابهة لزيارة الأمين العام للأمم المتحدة، بدليل أنه بعد وقت قليل من بدء مؤتمر "الإصلاح الديمقراطي" غادر قاعة المؤتمر، ولكن تبين أن هدف الزيارة الأساسي هو محاولة تلميع صورة تركيا لدى بعض القوى السياسية اللبنانية. ومن هنا كان لقاؤه مع رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، حيث ظهر بوضوح، التباين الكبير بين وجهتي نظر الوزير التركي وحزب الله وتحديداً بخصوص الملف السوري بالإضافة إلى المطالبة العلنية من قبل النائب رعد بوقف تهريب السلاح ورعاية المسلحين من قبل الحكومة التركية لأن ذلك يعرقل عملية الإصلاح من جهة ويضع تركيا في الموقف المعادي لا لسورية فقط ولكن لمحور الممانعة والمقاومة في المنطقة، وهذا لن يكون في صالح مستقبل تركيا وعلاقاتها مع دول هذا المحور.

المحطة الثالثة والأهم كانت الخطاب الذي ألقاه السيد حسن نصرالله يوم السبت الماضي، الذي تضمن رداً واضحاً على كل من بان كي مون الذي خاطبه بالاسم معتبراً أن قلقه من تزايد وتنامي قدرات حزب الله العسكرية يشكل عنصر اطمئنان لقيادة حزب الله، بأن نهج المقاومة والسير عليها هما الطريق الصحيح، وأن ما قاله بان كي مون بهذا الشأن يسعد حزب الله ويطمئن القاعدة الشعبية في لبنان إلى صحة الاختيار لنهج المقاومة. والرد الآخر على لسان السيد نصرالله كان يعني الدولة التركية من دون أن يسميها مباشرة، عندما أشار إلى أن بعض الذين يحذرون من حرب أهلية في سورية وإمكانية امتدادها إلى دول المنطقة هم أنفسهم الذين يساعدون سياسياً وإعلامياً وتحريضياً على قيام مثل هذه الحرب الأهلية، أي أن الأتراك هم الأكثر تحذيراً لقيام مثل هذه الحروب، حيث جاءت على لسان أكثر من مسؤول تركي وفي فترات مختلفة. لذلك جاءت دعوة السيد نصرالله إلى هؤلاء للمساعدة في تحقيق الحوار لا إلى التحريض والتجييش وحشر الجميع في الزاوية لكي يحصل الانفجار.  

السابق
لقاء في صور حول مشروع الإرث الثقافي
التالي
احوال الطقس: ثلوج الخميس على 1000 متر