اللواء: أهالي فسوح يُلملِمون آلامهم من رُكام المبنى المِنهار

لم تنم الأشرفية مساء الأحد، فكان صباح الإِثنين يوماً غير عادِيا لِأبناء شارِع فسوح، فالطبقات السبع التي سقطت أرضاً لم يبقَ مِنها الا ذِكريات أولئِك الذين سقطوا في زمن السقوط الكبير لِلوطن، فكان الوجع الذي جمع العشرات مِن المُنتظرين مصير أبنائِهم، والذينَ تعدد أسباب سقوطُهم والنتيجة واحِدة، ضحايا بِالعشرات، ومُشردون، وجولات مكوكية لِلمسؤولين، بدت أشبه بِإستعراض. لم يشفي غليل الناس المفجوعة.

الدولة بِكُل قواها السياسِية سقطت بِسقوط المبنى في شارِع فسوح، على الأقل من عيون الناس الثكالى من هول الفاجِعة، فالجميع كان غاضِباً، خصوصاً وأن هذِه المنطقة لا تشهد جولات لِلسياسيين الا في زمن الإنتخابات والكوارث، وبين تعدُد النظرِيات حول تحميل المسؤولية، إن لِلدولة أو لِلبلدِية، أو لِمالك المبنى الذي وحسب اهالي المنطقة لم يُحذِر السُكان الا في الوقت الضائِع، أو لِلقدر الذي أراد لِهؤلاء الناس أن يسقطوا في هذا الوقت.

مُحيط المبنى المُنهار، بدا مع ساعات الصباح الأولى أشبه بِورشة حقيقية، فأعمال الإنقاذ تواصلت، ومعها سحب الجُثث، مع إستخدام الجرافات والكِلاب المُدربة من أجل الوصول الى الضحايا، ومُحاولة إنقاذ ما يُمكِن إنقاذُه، المواطنون بِالعشرات تجمعوا في «موقف سيارات» مواجه لِلمبنى المِنهار، والبعض صعد الى سطح مبنى قيد الإنشاء، مُقابِل المبنى لِمُتابعة تفاصيل عملِيات الإِنقاذ، البعض كان ينتظِر لِمعرِفة مصير أقارِب له والبعض الأخر، دفعهُ الفضول لِمعرِفة ما يحصل.
في موازاة أعمال الإنقاذ، لم يكُن المشهد المقابِل أقل حدية، فأهالي المبنى الذين كُتِب لهُم عُمراً جديداً، وقفوا على أطلال الرُكام المُتجمِع، لم يكُن لديهم قُدرة على الكلام، قِلة هُم الذين قرروا «فش الخلق»، وكانت الدموع أكبر شاهِداً على حجم الكارِثة، ومع كُل لحظة العثور على جُثة من تحت الأنقاض كانت تتجِه الأنظار لِمعرِفة هوية الجُثة.
الجميع مسؤول
{ غلاديس نعيم كانت ناقِمة على كُل شيء فأشِقائِها الثلاثة سقطوا في داخِل المبنى، وهي حملت المسؤولِية لِلجميع من وزراء ونواب ورؤساء، واصِفةً الجميع بِأنهُم لا يتحملونَ أي مسؤولية، مُتسائِلةً «هل يُعقل أن يُبلِغ صاحب المبنى الأهالي قبل دقيقتين من حصول الكارِثة، وهل هذا الوقت كافيا لِإنقاذ الناس»، غلاديس تبلغت مع ساعات مساء الأحد بِخبر سقوط المبنى، مُشيرةً الى وجود فوضى في إعطاء الرُخص لِلمباني.
{ وميليسا قبان والتي لها أقارب في داخِل المبنى، لم تُفارِقها الدمعة وهي تنتظِر عمليات الإنقاذ، وطالت ساعات الإنتِظار بِالنسبة لها، وهي أيضا مُستائة من كُل السياسيين، لِأن جولاتِهم لا تُغير بِشيء، فالناس دوماً هي التي تدفع الثمن، ولا أحد يشعُر بِوجعها الا في حالة الكارِثة، وبعد فوات الأوان، فالدولة غائِبة ولا حياة لِمن تُنادي.
{ أما رامي سعد (المقيم في الأشرفية) وفي مكان قريب من البِناء المُنهار، فحضرَ الى المكان لِلإطمِئنان على العديد مِن الأشخاص الذينَ يعرِفهُم، مُبدياً إستِيائُه على حجم الكارِثة خصوصاً وأن المبنى يضُم عشرات الأشخاص، ويُحكى عن أنهُ غير صالِح لِلسكن، رافِضاً تحميل اي جِهة المسؤولِية بإنتِظار وضوح الصورة.

{ وأبدى رئيس بلدية بكاسين حبيب فارس (الذي حضر الى المكان لِوجود معارِف لهُ في المبنى) إستِيائه من «فضاوة بال» البعض الذينَ يسألون عن السِياسيين في وقت أن الجثث لا تزال تحت الأنقاض، مُتسائِلا:هل مجيء السياسيين سيُغير في الأمور، ويرُد الضحايا التي سقطت»، مُشيرا الى أن المسؤولية تقع على طريقة منح رُخص البِناء والتي لا تُراعي الحد الأدنى من المُقوِمات، ولا تُراعي الأصول.
{ وتحدثَ سيمون نعمة (أحد أابناء شارع فسوح) عن وجود عائِلة من ال «بقلة»، سقطت في الإنهيار وهُم الأُم والأب وحفيدُهم، مُحمِلا المسؤولية لِصاحِب المبنى لأنهُ لم يُحذر الناس بِما فيه الكِفاية، والجميع كانوا على علم بِأن البِناء غير صالح، خصوصاً وأن الأعمِدة مُتصدِعة والجُدران في وضع يُرثى لها.
ضحايا سودانيون
والمأساة لم تقتصِر على اللُبنانيين، فالعشرات من أبناء الجالية السودانية والأثيوبية تجمعوا في مُقابِل المبنى المُنهار لِلإطمِئنان على أقارِبهم، حيثُ كان هُناك العديد من السودانيين الذين يقطنون في المبنى، وهُم إستأجروا الغُرفة الواحِدة بـ 150 دولار اميركي.
{ ولفتَ عيسى يحيى (من الجالية السودانية) الى وجود العديد من السودانيين يقيمون في المبنى، وبينهم أقارب له، مؤكِدا أن أحداً من سُكان البِناية لم يتلقى أي تحذير عن وضع المبنى، داعِيا الدولة اللُبنانِية الى التعويض لِلناس التي فُجِعت بِما حصل، خصوصاً أنهُ لا مأوى لهُم.
العديد من المباني في شارِع فسوح هي شبيهة بالمبنى المُنهار، وقد بدأت عملية إخلاء بعض المباني تجنباً لِحصول كارِثة مُشابِهة، فالعديد من المباني في فسوح تعود الى الأربعينات من العام الماضي، وهي تعرضت وحسبَ تأكيد الأهل لِلقصف عدة مرات وجرى إعادة ترميمُها.  

السابق
الراي: لبنان المطمئن إلى العناية باستقراره يدقق برسائل بان كي ـ مون وأوغلو
التالي
السفير: كارثة الأشرفية: الموت يكبر والدولة تصغر