الشرق والغرب في عالم أكثر تنوعا

في هذه الحقبة من التغطية الإخبارية على مدار الساعة، هناك اتجاه للبحث عن التفاصيل أكثر من النظر إلى الصورة الكبيرة.
محاولة تحليل المواقف غير المكتملة قد تؤدي إلى آراء متغيرة أحيانا وغير ملائمة في بعض الأحيان. والاتجاه الآخر يميل إلى تبسيط الأمور، ولذا يفقد الصورة الكبيرة التي تحيط بعالم الأعمال.
ودعونا نلق نظرة على بعض الأشياء التي تجري داخل الصورة الكبيرة في الوقت الراهن، فحجم التداول يتحرك من الغرب إلى الشرق، والاقتصادات الناشئة مهمة لكن الاقتصادات الأقدم تتطور أيضا. وفي الوقت الذي يتركز فيه كثير من الانتباه على نصيب التجارة بين الدول المختلفة، يزداد حجم الكعكة. فتشير تقديرات «سيتي غروب» إلى أن القيمة الفعلية للتداول يتوقع لها القفز من 37 تريليون دولار في عام 2010 إلى 287 تريليون دولار في عام 2050.
واقع الأمر أن التوازن بين الشرق والغرب متغير بشكل كبير، لكن ذلك لا يعني أن الشرق لم يعد بحاجة إلى الغرب بعد الآن، أكثر من عدم حاجة الغرب إلى الشرق، وكلاهما بحاجة إلى نفط الشرق الأوسط. وكلاهما يمتلك ما شرحه ديفيد ريكاردو في كتابه «مبادئ الاقتصاد السياسي والضرائب»، الذي نشر عام 1817، ميزة نسبية.

الميزة النسبية للتصنيع واضحة بالنسبة للصين وفي بريطانيا على سبيل المثال، تقع الميزة النسبية لمدينة لندن في قطاع خدماتها المالية المهيمن.
وتشير مجلة «إيكونوميست» إلى أن الميزة النسبية لمدينة لندن واضحة من الميزان التجاري لبريطانيا. وفائض التصدير في الخدمات المالية والتأمين كان 2.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الثلاثة أرباع الأولى من عام 2011. أضف إلى ذلك تصدير الخدمات المرتبطة، مثل القانون والمحاسبة والاستشارات وارتفاع الفائض التجاري فوق 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. تجمع صناعي يمكن أن يولد دخلا أجنبيا على هذا النطاق مثير للحسد. وما من دولة أخرى، ولا حتى أميركا، اقتربت من مجاراة التوازن التجاري البريطاني ماليا.

ويمكن للصين أن تصنع البضائع بصورة أكثر رخصا من المملكة المتحدة، لكن المملكة لديها واحد من أفضل المراكز المالية في العالم، على العكس من الصين. فلندن أضخم مركز مالي في العالم، وفق الكثير من المعايير.
وبريطانيا هي الدولة الأولى في العالم في تداول النقد الأجنبي، لذا من المنطقي إذن أن يشير الحديث بين المصرفيين والمحامين إلى وجود تفاؤل متزايد في أن تنضم مدينة لندن إلى هونغ كونغ كمركز خارجي يمكن من خلاله تداول العملة الصينية، الرينمبي، وسيمثل نهاية ناجحة للمفاوضات بين الخزانة البريطانية والسلطات الصينية التي يقال إنها حققت تقدما ملحوظا خلال الخريف الماضي. وإذا ما حدث ذلك، فسيكون من الإيجابي إلى حد بعيد لكلا الطرفين الاعتراف بحقيقة أن لندن ستظل واحدة من أهم المراكز المالية العالمية لفترة طويلة مقبلة.
 ربما كان وضع بريطانيا كلاعب مالي أساسي في أوروبا معقدا في بعض الأحيان. وربما بدت بريطانيا منعزلة بعد توقيع الكثير من الدول، للمحاولة اليائسة الهادفة إلى إنقاذ اليورو في بداية ديسمبر (كانون الأول). من ناحية أخرى، لا تكون العزلة إذلالا عندما تكون صائبا. فالاتفاق الذي رفضه كاميرون لم يقدم شيئا لاستعادة ثقة السوق في عملة واحدة.
جدير بالذكر أن الدنمارك تولت رئاسة الاتحاد الأوروبي في الأول من يناير (كانون الثاني). من الممتع الإشارة إلى أن الدنمارك تعارض فرض الضرائب على التحويلات المالية التي اقترحها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة ميركل. وقد رفضت رئاسة الاتحاد الأوروبي الدنماركية، الأسبوع الماضي، محاولة لفرض ضرائب على التحويلات المالية، عبر التكتل المكون من 27 دولة، وحذرت أيضا من فرض منطقة اليورو الضريبة بمفردها، كما اقترحت باريس وبرلين. وقد كان الدنماركيون مصيبين في موقفهم، ولا يزال هناك الكثير مما ينبغي القيام به قبل حل أزمة اليورو.

بيد أن هناك أملا في أن تكون الشكوك قصيرة الأجل مجرد سحابة صيف في الصورة الكبيرة، وأن تعود الأمور إلى الاتجاه طويل الأجل.
ومن بين الأخبار الأخرى الواردة عن الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع، كان خفض تصنيف الديون السيادية لدول منطقة اليورو في تصنيف «ستاندرد آند بورز». والحقيقة أن هذا يعكس فقط ما تفكر فيه الأسواق بالفعل في أي حال، وأقل دراماتيكية، مما جعلنا الكتاب الكبار في الصحف نعتقده. والسياسيون في الدول المعنية سيصرخون بوجود مؤامرة، لكن تلك الدعاوى ينبغي تجاهلها. ما يفعلونه هو ما يهم وليس ما يقولونه. فالمستشارة الألمانية أكثر براغماتية، وقالت إن خفض «ستاندرد آند بورز» للتصنيف الائتماني لتسع دول أوروبية يؤكد على حقيقة أن منطقة اليورو تواجه طريقا طويلا لاستعادة ثقة المستثمرين.
وفي انتكاسة ربما تكون أكثر شؤما، تأتي المفاوضات بشأن مقايضة الدين من قبل الدائنين المستقلين جوهرية لتفادي عجز اليونان عن تسديد الديون الذي سيهز أوروبا وسيحطم الاقتصاد العالمي دون اتفاق في أثينا يوم الجمعة، على الرغم من تصريح المسؤولين باحتمالية إجراء المزيد النقاشات، الأسبوع المقبل. وما لم تفض التقارير بشأن كان ما حدث. فالخطة تقتضي موافقة حاملي السندات على إلغاء نصف قروضهم. والحصول على 15 في المائة نقدا و35 في المائة في صورة سندات جديدة. ويبدو أن الحكومة اليونانية وصندوق النقد الدولي غير قادرين على الموافقة على نسبة الفائدة على السندات الجديدة. وربما يكون من المعقول الاعتقاد بأن هذا لا يزال قابلا للحل. وفي تقرير آخر مشوق حول التجارة العالمية لفريق بحث «سيتي غروب»، الذي يقوده كبير الاقتصاديين ويليام بوتير، والذي نشر مؤخرا توقعاته حول التجارة العالمية سنة 2050، وكما ذكرت في بداية هذا المقال، يعرض اقتصاديو «سيتي غروب» التجارة العالمية (على سبيل المثال، حجم الواردات والصادرات) وفق القيمة الفعلية، يتوقع أن يرتفع من 37 تريليون دولار في عام 2010 إلى 287 تريليون دولار في عام 2050، حيث تمثل الدول العشر الكبرى نسبة 53.3 في المائة من حجم التجارة العالمية.

والدول الأوروبية التي يتوقع أن تكون بين العشر الأول في عام 2050 هي ألمانيا في المركز الرابع بنسبة 3.5 في المائة، والمملكة المتحدة في المركز العاشر بنسبة 2.1 في المائة، والولايات المتحدة في المركز الثالث بنسبة 6.6 في المائة، منخفضة عن النسبة السابقة، التي بلغت 10.7 في المائة. وستكون باقي الدول من دول الشرق الأقصى. فيتوقع أن تحتل الصين مركز الصدارة في عام 2050 بنسبة 18.2 في المائة، بينما ستأتي الهند ثانية بنسبة 9 في المائة. وهذا يشير أكثر من أي وقت مضى إلى أن على الاتحاد الأوروبي العمل، حيث يشكل الاتحاد الأوروبي ككل في الوقت الراهن أضخم متداول في العالم.
من ناحية أخرى، تأتي الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية في الوقت الراهن كأضخم متداولين في الشرق الأوسط، بنسبتي 1.2 في المائة و1.1 في المائة على التوالي. وكلتاهما في المركز الخامس والعشرين على قوائم البنك الدولي عام 2010. وهنا مساحة لرفع هذا الترتيب، لكن ذلك مشروط باستمرار الاستراتيجيات الناجحة التي تتضمن صناديق الثروات السيادية الخليجية.
وسيظل من الأهمية بمكان بالنسبة للجميع، على مدار الشهور القليلة المقبلة، البحث عن رؤية بعيدة الأجل، وإمعان النظر في الصورة الأكبر. النظر عن قرب إلى التفاصيل قصيرة الأجل متعة، لكنه ليس بأهمية التوقف حيث توجد الميزة النسبية. 

السابق
مستوعبات من الكتيبة الإسبانية للقنطرة ـ مرجعيون
التالي
أميركا ليست شركة