التواجد الأميركي

تشير التحليلات السياسية الى ان الانسحاب الأميركي الكامل من العراق بأفراده ومعداته لا يعني طي صفحة التواجد الأميركي في العراق رغم اكتمال السيادة العراقية على أراضيه، وتمكنه من التصرف الكامل على كل شؤونه الداخلية والخارجية دون تدخل من أحد. فالعراق غير مقيد في اتخاذ قرارات تصب في مصالحه مادام يحترم قرارات الشرعية الدولية ومصالح دول المنطقة. واذا كانت القوات الأميركية قد انسحبت من العراق فإن ذلك لا يعني تخلي أميركا كليا عن العراق أو الإقليم وترك الساحة العراقية على نحو يسهل إعادة حكم البعث وممارسة الاستبداد والدخول في المغامرات.

إن عدم وجود القوات الأميركية على الأراضي لا يعني أيضا عدم وجودها في البحار وعلى بوارج عسكرية عملاقة، فلقد كانت ومازالت هذه القوات في المنطقة سواء بسبب اتفاقيات ثنائية بين دول المنطقة وأميركا أو بريطانيا من اجل الدعم والحماية لأي دولة خليجية معرضة للتهديد الخارجي أو لدوافع استقرار السلام العالمي والأمن الدولي. لذلك فإن التواجد الأميركي في المنطقة الخليجية بالذات له اعتبارات خاصة تفرضها ظروف المنطقة المهددة بالحروب والتحولات السياسية المربكة لمصالح شعوبها، وكذلك للمصالح العالمية. ولا يعني أيضا ان التواجد الأميركي هو احتلال لأراضي الغير من خلال تدخل عسكري مباشر، فهذا التواجد في الخليج ناتج عن رغبة الدول المعنية التي تريد تواجد القوات الأميركية في إطار علاقاتها وحماية مصالحها وأمنها، خصوصا وان هناك تهديدات دولية لدول الخليج تمثلت في أحداث تاريخية عدة مازالت تعاني منها دول المنطقة مثل غزو العراق للكويت، واحتلال إيران للجزر الإماراتية، والتهديدات المستمرة باحتلال أراضي الغير عند حدوث كل أزمة بين الدول.

علاقات الدول الخليجية بأميركا وأيضا بريطانيا ليست حديثة أو طارئة وإنما لها جذور تاريخية امتدت لسنوات طويلة أثرت في نشأة الدولة الحديثة ومراحل تطورها على مدى زمني طويل تمثلت في التقدم الكبير في الميادين الإدارية والثقافية والاقتصادية والأمنية وغيرها، لكن ذلك لم يبن على استفادة طرف واحد، وإنما ظلت ومازالت الاستفادة متبادلة والعلاقات قائمة. لذلك لا ينبغي إلغاء التاريخ لدوافع عاطفية أو أيديولوجية لأن البعض مازال متشنجا حاملا لواء الحقد والكراهية لكل ما هو غربي أو أميركي بسبب التأثر بالعوامل السياسية المتوترة في المنطقة أو بسبب العودة للجذور التاريخية للعلاقات العربية – الغربية التي سادتها مفاهيم مازالت غير مستحبة في النفوس مثل الاستعمار، والامبريالية والرأسمالية وغيرها من قضايا تتناقض مع مفاهيم المصالح المشتركة. فالسياسة لا تعني تغليب مصلحة طرف واحد على حساب مصلحة الطرف الآخر، وإنما النظام العالمي أصبح تجسيدا حقيقيا لعولمة ترى تبادل المصالح والتعاون من أجل تعزيز دور الدول في إرساء مبادئ أساسية وقيم تصب في مصلحة كل الأطراف.

إن التواجد الأميركي في المنطقة لا يصب فقط في مصالحها وإنما أيضا يفيد دول المنطقة في شتى الميادين العسكرية والأمنية والاقتصادية التي تحتاجها المنطقة من أجل التنمية العامة، خصوصا وان أطماع الدول في الخليج العربي تزداد يوما بعد يوم في ظل تنامي الشعور بحالة اللااستقرار، وربما التدخل باعتبار انها منطقة تحوي اكثر من نصف الاحتياطات النفطية العالمية والتي تشكل أهمية بالغة للدول الصناعية التي تعتمد على الموارد الهيدروكربونية في حصولها على الطاقة لسنوات طويلة مقبلة رغم الحديث عن محاولات التوسع في استخدامات الطاقات البديلة عن النفط.
لاشك ان أي اضطراب ناشئ لوتيرة الإمداد النفطي للعالم من الدول الخليجية يعني توحد العالم واستخدامه للقوة المفرطة في وقف أي جهة تعرقل هذه الصادرات النفطية، فليست هناك قوة تستطيع منع وصول الإمداد النفطي وعرقلة ناقلات النفط البحرية التي تبحر كل يوم عبر مضيق هرمز في الخليج العربي حيث ان منع هذه الناقلات يعني الحرب والدمار لمن يفكر أو يسعى لتحقيق هذا الهدف. 

السابق
اللحوم المصنعة.. و سرطان البنكرياس
التالي
طارق متري: نتطلع إلى أن تستعيد مصر دورها العربي