لا نتمنى للسوريين الحرب

يعتقد كثيرون ان اللبنانيين يتمنون لأهل سوريا حرباً أهلية يتقاتلون ويقتلون فيها، كمثل رد على الحرب الأهلية في لبنان، التي كان لسوريا يد طولى فيها، مباشرة بدباباتها وجنودها قبل مهاجمة طيرانها قصر بعبدا واقتحامه ووزارة الدفاع، أو غير مباشرة عبر حلفاء كانت تحركهم كالدمى، فيزايدون عليها في التمادي بسلب الآخرين حقوقهم، وأهمها الحق في الحياة الكريمة.

لكن المزاج الشعبي اللبناني غير ذلك تماماً، وقد عبرت عن ذلك سيدة من المعتصمات في وسط بيروت مطالبة بعودة ابنيها، اللذين خطفهما حزب موالٍ لسوريا قبل ان ينقلا الى أحد سجون دمشق. قالت: "الله يبعد الحرب عن أمهات سوريا فلا تعانين فقدان أولادهن، والله يبعد الفقر والجوع والوجع عن الناس الفقراء المظلومين. هودي ناس ما الن علاقة بسياسات الأنظمة. هودي مدعوسين في زمن السلم وأيضاً في زمن الحرب. الله يبعد الحرب عن سوريا". توقفت ملياً أمام القلب الكبير، الذي لا أعلم متى ينفجر فيودي بصاحبته، اذ صارت به علل كثيرة، وتحتاج السيدة الى كميات وافرة من الدواء يومياً، على أمل شفاء يلاقي الشابين المخطوفين منذ زمن.
توقفت ملياً أمام هذا الشعور الإنساني النبيل، بل التضامن الإنساني الذي يجمع الفقراء والمظلومين والمنسيين في كل زمان ومكان. وأقول أيضاً انني فرحت كثيراً لتعبير تلك السيدة، التي ما كنت أتوقع منها الا أدعية من النوع المشحون حقداً وكراهية.
صحيح ان لبنانيين كثراً يشمتون اليوم بما يصيب النظام السوري نتيجة تراكمات كثيرة، لكن الأهم قدرة أكثر اللبنانيين على الفصل بين النظام والمواطنين السوريين، ولو داعمين للنظام. فالظلم الذي أصاب مواطنيَّ، والحرب التي داستهم بين الأرجل، أرجل الأشقاء والأعداء معاً، والانقسامات التي زادت من شروخ هذا المجتمع، بدت نتائجها اليوم، كأنها في لحظة ما، تحولت دروساً وعبراً، اذ اشتد الخطر ولامس حدودنا.

من المفيد كثيراً ان ينظر اللبنانيون الى ما يجري حولهم، خصوصاً في سوريا، بعين الناقد والمتابع والمدافع عن حقوق الإنسان، من دون ان ينغمسوا ويحشروا أنوفهم في ما لا شأن لنا به في الداخل السوري، لا عملاً بمقولة "بطيخ يكسّر بعضو" وانما انطلاقاً من انزعاجنا الدائم من التدخل السوري في شؤوننا الداخلية، فلا نعكس الأمر بردات فعل غير مدروسة، الا اذا طلب منا في اطار جامعة الدول العربية المشاركة في قوة ردع عربية الى سوريا… لكن يبدو اننا أعفينا من المهمة في لجنة المراقبين، وسنظل معفيين طالما اننا اعتمدنا سياسة "النأي بالنفس".

ملاحظة: تشير المعلومات الواردة من المناطق السورية الى ان البلاد دخلت في نفق الحرب الأهلية، وان لم يعترف الأفرقاء بذلك. ففي العام 1975 لم يصدق اللبنانيون ان ما يجري على أرضهم هو حرب ستمتد 15 عاماً. أملوا في انهاء حلقة العنف خلال أيام، صاروا يتطلعون الى المبادرات العربية والغربية، لكنهم أدركوا، ومن أفاق منهم حياً، بعد حين انهم دفعوا الثمن 200 ألف شهيد ومصاب ومعوق.
الفرز السكاني بدأ في معظم المناطق البعيدة من العاصمة السورية، والقتل على الهوية جارٍ على قدم وساق، وعملية التسلح الى ازدياد، واعداد القتلى الى ارتفاع. فماذا بعد كي يوصف ما يجري بالحرب؟ 

السابق
اللبناني المعتقل في تايلاند هوحسين عتريس من مواليد النبطية
التالي
الراحل الشيخ محمد جواد مغنية: النجف لغز محيّر