طلباتُ بشّار لن تمرّ!

في الأيّام الماضية التي تلت خطاب رأس النظام السوريّ ثمّ نزوله إلى الشارع مع أسرته، تعاملت الدوائر العربيّة والدوليّة مع ما أعلنه بشار الأسد ومع أدائه على أنّهما – الإعلان والأداء – تحدٍّ للمجتمعَين العربيّ والدوليّ من جهة، وتصعيد من جانبه للحرب الدمويّة على الشعب السوريّ وثورته من جهة أخرى.

وهنا في لبنان سادَ قلقٌ مشروع من تداعيات هذين التحدّي والتصعيد. وهو قلقٌ مشروع لاعتبارَين رئيسيَّين.

الاعتبار الأوّل هو أنّ نظام الأسد الذي دأب طوال الشهور المنصرمة من عمر الثورة السوريّة أي من عمر أزمته، على محاولة ربط لبنان به وبمساراته، طلبَ رسمياً من أركان السلطة السياسيّة في لبنان ومن مسؤولين عن مرافق وأجهزة حيويّة، وَضْعَ كلّ الإمكانات اللبنانيّة بتصرّفه إمعاناً في ربط لبنان واستباحته.

أمّا الاعتبارُ الثاني الداعي إلى القلق المشروع فهو أنّ نظام الأسد الذي لم يُشفَ أبداً من "عقدة لبنان"، والذي وضع مناطق لبنانيّة بذاتها (عكّار وعرسال…) نصب عينيه واتهمها مباشرةً حيناً وبواسطة أبواقه حيناً آخر بأنّها تشكّل قواعد خلفيّة للثورة السوريّة، والذي مارسَ خرق الحدود اللبنانيّة وأقدمت مخابراته على عمليّات الخطف داخل الأراضي اللبنانيّة… أنّ هذا النظام يمكن أن يترجم التحدّي والتصعيد ليس فقط مزيداً من الدماء داخل سوريا بل اعتداءات داخل لبنان أيضاً.
 وثمّة في لبنان من يعيد إلى الأذهان أنّ الأسد الذي قال منذ فترة لأحد أتباعه مِن لبنان برتبة وزير سابق ونائب حالي "إمّا أنا وإمّا سوريا"، إنّما يمتلك خطّة بحدّين: أقصى هو القضاء على الثورة وأدنى هو تقسيم سوريا. ولذلك، فبالإضافة إلى الاعتبارَين المنوّه عنهما آنفاً للقلق المشروع، هناك من يعتقد أنّ الأسد لن يتردّد في السعي إلى التقسيم، وفي إطاره إقامة "دولة الساحل السوري" المتاخمة للحدود اللبنانيّة شمالاً وشرقاً، بديلاً من "دولة الطائفة" المستحيلة على الحدود مع تركيا.

بإزاء القلق المشروع من جانب والتحسّبات المتطيّرة وغير الواقعيّة من جانب آخر، لا شكّ أنّ ثمّة أخطاراً تهدّد لبنان من نظام الأسد. لكنّ هذه الأخطار ينبغي ألّا تجعل أحداً يضيّع حقيقتين.

الأولى هي أنّ نظام الأسد الذي تأتي الأخطار منه، لا يزال يمكنه أن يؤذي، أن يقتل ويدمّر، لكنّه لم يعد قادراً على البقاء وهو ساقطٌ حكماً.

والحقيقة الثانية هي أنّ نظام الأسد، على الرغم ممّا يسمّيه أوراقاً في لبنان، وعلى الرغم من محاولته إحكام ربط لبنان به، وعلى الرغم مِن سعيه إلى استتباع كامل للدولة اللبنانيّة، أعجز من أن يدخل إلى أيّ مكان من لبنان أو أن يثبّت نقاطاً فيه أو أن يقوم بعمليات عسكريّة في داخله.

في وسع نظام الأسد الأذيّة (الأمنيّة مثلاً) في لبنان، لكن ليس في وسعه أخذ لبنان أو أيّ بقعة منه. وتلك هي المعادلة الواقعيّة.

على أيّة حال، فإذا كان الوضع السوريّ بعدَ التحدّي والتصعيد من جانب الأسد، تحت النظر العربيّ والدوليّ في انتظار اجتماع التاسع عشر من الجاري لوزراء الخارجيّة العرب، فإنّ لبنان من زاوية ما يخصّه به نظام الأسد من عداء، هو تحت النظر العربيّ والدوليّ أيضاً، وباهتمام شديد.

بكلام آخر، إنّ لبنان ليس وحده. وإذا كانت مسألة التدويل في سوريا أي الحماية الدوليّة للسوريّين لا تزال قيدَ النقاش، فإنّ الموقف العربيّ – الدوليّ تجاه سيادة لبنان واستقراره مأخوذ سلفاً. وهذا الموقف المأخوذ سلفاً ليس المقصود به القرارات الدوليّة حول لبنان فقط، بل الديناميّة الإقليميّة – الدوليّة الملحوظة باتجاه لبنان في الآونة الأخيرة. وهذا ما ترمز إليه بشكل خاص زيارتا الأمين العام للأمم المتّحدة بان كي مون ووزير الخارجيّة التركي أحمد داود أوغلو اللذين أعلنا من مواقف عدم السماح باستباحة لبنان ما يؤشّر كفاية إلى أهمّية حصانة لبنان وسيادته وأمنه.

بشار الأسد أمام خيار وحيد هو الرحيل، إمّا أن يرحل أمس واليوم وإمّا أن يرحل غداً أو بعد غد بمزيد من الدماء. لكن لبنان أمامه غدٌ واعد. وهنا بالتحديد يجب أن توضع السلطة السياسيّة عند مسؤوليّاتها: رفض طلبات بشّار والاستماع إلى الشعب اللبناني ومصالح لبنان مع أشقائه وفي العالم!.  

السابق
مرجع أمنيّ
التالي
الانتقال إلى الديموقراطية من دون بان