مضيق هرمز مقابل إنقاذ الاسد

إن تهدد إيران باللجوء إلى إغلاق مضيق هرمز, إنما يعني ذلك أنها وصلت إلى نهاية المطاف, وإلى معادلة علي وعلى أعدائي, فغني عن الذكر أن نتائج عدم تصدير النفط الإيراني الذي يشكل خمس الإمداد العالمي من النفط, لا ترتد تداعياته السلبية فقط على الاقتصاد العالمي, ولكن أيضاً على الاقتصاد الإيراني بالذات, الذي ما فتئ يعاني من العجز المتفاقم الناتج عن تصاعد خيالي في نسبة التضخم, والمتأتي في جزء كبير منه من العقوبات المفروضة على الجمهورية الإسلامية من قبل المجتمع الدولي, والمرشحة اليوم للتصاعد بسبب إعلانها عن وصولها في نسبة تخصيبها لليورانيوم إلى حدود ال¯20 في المئة.. وفي حال ذهبت إيران في تصرفها الجنوني إلى حد تنفيذ ما هي بصدد التهديد به, كإغلاق المضيق عبر تلغيم قعره, فإن ذلك سيضعها بمواجهة عدائية مباشرة مع محيطها العربي والشرق أوسطي بعامة, ناهيك عما هو بصدد إثارته على الصعيد العالمي من حدة في حماوة الاستنفار للقوى العسكرية البحرية في هذه المنطقة الشديدة الحساسية من الخليج العربي.

قد لا يحتاج المرء الى اكثر من نظرة سريعة على خريطة منطقة الخليج العربي, حتى يرى أن مضيق هرمز يشكل المنطقة الأكثر حيوية في العالم, حيث أن 40 في المئة من النفط العالمي يمر عبرها, إذ يقدر مرور الناقلات فيها كل يوم بنحو 14 ناقلة محملة بنحو 17 مليون برميل نفط. كما لا يحتاج المرء الى الكثير من التحليل ليدرك أن الهدف والرسالة من وراء المناورات التي تجريها إيران في هذا المضيق الستراتيجي ليست بعيدة عما يجري في العالم العربي من تغيرات وخضات, وخصوصاً, هو حاصل في سورية ولبنان, وهما البلدان اللذان يشكلان الأول ركيزتها الشرق أوسطية الأولى والأهم, والثاني امتدادها الحيوي والضروري.لكن على ما يبدو حسمت إيران أمرها وقررت رفع مستوى التحدي, وبات واضحاً انها ذاهبة باتجاه طريق اللاعودة, وخيارها هو لعب آخر حجر تملكه على رقعة الشطرنج, حيث من غير المستبعد أن تشكل هذه النقلة آخر لعبة تقوم بها طهران, تكون بمثابة آخر مرحلة من تاريخ الجمهورية الإسلامية, وبداية لمرحلة قد تكون مختلفة تماماً. لقد حسمت إيران خيارها بالمواجهة البحرية المباشرة مع الولايات المتحدة عندما تقدمت البحرية الإيرانية لتغطي مناوراتها المنطقة الممتدة من المضيق على طول شواطئ شبه الجزيرة العربية إلى خليج عدن وباب المندب وشمال المحيط الهندي, حيث التواجد العادي للأساطيل الأميركية والبريطانية, على خلفية رسالة تحد فاقعة مفادها أن أمنها القومي بات يبدأ من هنا, من عند باب المندب بالذات, وبأن كل تعدٍ على هذا الموقع المتقدم ستعتبره إيران رسالة حرب مباشرة, وبمرتبة التعدي على بحريتها العسكرية. أما الرسالة العدائية غير المباشرة فهي تستهدف دول الخليج بعامة ولا سيما السعودية, والتي حرصت إيران حتى البارحة على علاقة حسن الجوار معها, رغم محاولتها الآثمة لاغتيال السفير السعودي في واشنطن. في المقابل لقد برهنت المملكة عن حنكة وسعة صدر فائقين, إذ لم يصدر عنها حتى الساعة أي موقف متشنج بشكل رد أو جواب مباشر على كل التهديدات والتحذيرات الإيرانية بإغلاق المضيق الذي يصيب الاقتصاد السعودي بالدرجة الأولى.

أما الدوافع الحقيقية الكامنة وراء رفع مستوى التحدي الإيراني اليوم, فهي متأتية من خوفها على نظام حليف مهدد بالانهيار والتفكك. وليس لأن هذا النظام المعني هو النظام السوري الحليف وحسب, بل لأنه يشكل ركيزة أساسية لكل ستراتيجية الجمهورية الإسلامية, ومنطلقاً لنشر إيديولوجيتها الشرق أوسطية التوسعية المعروفة. وبالتالي قد يجوز القول بأن مصير الجمهورية الإسلامية هو على المحك بمجرد ورود احتمال انهيار النظام السوري. ما تريد طهران إيصاله للعالم هو اقتراح صفقة. تماماً كالذي يأخذ رهينة ويقايض عليها. مضيق هرمز مقابل بقاء النظام السوري الحليف. إيران تطالب المجتمع الدولي انتشال النظام السوري من ورطته, وتتجاهل حقيقة هي أن مجازر النظام بحق الشعب لم تفلح حتى الساعة في ثني الشعب السوري عن ثورته, وبأنها تطالب الولايات المتحدة بورقة لا تملكها في الواقع.
في الحقيقة الإحجام عن التدخل الخارجي في سورية, والذي تطالب به طهران, لن يساهم في إيقاف الثورة, بل فقط في إطالة مدة المجزرة . لذا لن تفلح إيران في عملية المقايضة هذه, لأنها تطلب شيئاً ما من المجتمع الدولي ومن الولايات المتحدة هي في الحقيقة عاجزة عن المقايضة به.

يبقى أن الغطرسة الإيرانية في حال استمرارها لن تمر من دون نتائج وتداعيات إقليمية ودولية دراماتيكية, وبهذا الشأن أعلن وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا منذ أيام قليلة أن الولايات المتحدة "سترد" إذا ما سعت إيران لإغلاق مضيق هرمز, الممر البحري الستراتيجي لنقل النفط, مشيرا إلى أنه خط أحمر لا ينبغي عليها تخطيه. مضيفاً "سنتحرك وسنعيد فتح المضيق". ولقد ذكرت أيضاً في المحور نفسه صحيفة "صندي إكسبرس" البريطانية أن مصادر عسكرية بريطانية رفيعة المستوى باتت تخشى من تنفيذ النظام الإيراني لتهديداته عبر تلغيم المضيق" في غضون الأسابيع المقبلة, وهي تعلن في المقابل أن البحرية البريطانية تملك كاسحات ألغام متواجدة ومنتشرة في منطقة الخليج, وجاهزة للتحرك. ناهيك عن إعلان صدر في الآونة الأخيرة عن الإدارة البحرية للقوات البريطانية الراسية في منطقة الخليج عن نية بريطانيا إرسال, خلال الأسبوع المقبل, المدمرة "أتش أم أس دارينغ" التي كلف بناؤها مليار جينيه إسترليني للقيام بأول مهمة لها في مياه الخليج.
طبول الحرب تقرع من دون شك في شبه الجزيرة العربية. وخيارات إيران باتت محدودة جداً. ومعادلتها, علي وعلى أعدائي, قد تتحول بسرعة إلى معادلة علي وعلى حلفائي.  

السابق
حرب أهلية؟
التالي
الانباء: القلق يخيّم عشية وصول بان كي مون إلى بيروت وتصاعد الدعوات لإرسال الجيش إلى الحدود مع سورية