فيروز في أغنياتها دائما الأولى

هي السيدة فيروز… اختلط رنين صوتها المولع باستعادة الماضي والتأمل بأوهامه، بأنغام الطبيعة التي كانت تعزف لحنها الشتوي العاصف، خارج المكتبة العامة لبلدية بيروت، الباشورة.

في الامسية الموسيقية، "سماع وتحليل" التي يقدمها الناقد والمؤرخ الموسيقي الياس سحاب اول كل شهر، كانت انحناءة احترام لـ"فيروز"، او العاشقة الابدية التي يليق بها لقب "السيدة"، وكانت التفاتة الى "الاغنيات الاولى".
امتلأت المكتبة بعشرات قدموا ليقوموا برحلة مع الحنين و"مواده العطرية". وكانت ملاحظة سحاب الاولى "وجود هذا العدد الكبير من الوجوه الجديدة… لكنني لا استغرب فهذه فيروز!". ولأكثر من ساعة، كانت الابتسامات الهانئة والرؤوس المتمايلة برفق من التفاصيل التي عكست تأثير صوت "السيدة" على الحضور. وكأن حزنها النبيل يخوض حروبهم ومعاركهم، فيحضنهم ليستردوا انفاسهم. الوقفة الاولى كانت مع "مقر السماء"، ترجمة لأغنية Verde Luna الشهيرة المأخوذة عن فيلم Blood And Sand (تايرون باور والخالدة ريتا هيورث).

بعدها "يا بالا"، وعنها قال سحاب: "نلاحظ فيها كيف بدأ خيال الاخوين رحباني يأخذ طريقه في اتجاه النضج، الى صوت فيروز الذي ظهرت فيه القدرة على التضخيم "التعريض". وبعدها اغنية "راجعة"، وقال عنها سحاب: "قد تكون من اجمل الاعمال الاولى واكثرها نضجا. فيها ابتعد عاصي ومنصور من المقطوعات الخفيفة… وكان صوت فيروز يلبي… برأيي، أجمل ما في صوت فيروز الطبقات المنخفضة… مع هذه الاغنية كانت البدايات الجدية لفيروز والاخوين رحباني في الغناء العربي العميق". الى اهتمام "الاخوين" بالقصيدة العربية، والبداية مع قصيدة "الى راعية"، وقال عنها سحاب: "فيها الكثير من الملامح الكلاسيكية للقصيدة العربية، وفي الوقت عينه، النغمات التي تتجاوز الطابع التقليدي للقصيدة العربية. وهي مدهشة بركازتها وعمقها، الى التطور اللحني المتمكن… نلاحظ ان صوت فيروز… عم ينضج، عم ينضج"، والقصيدة، "برأيي، من اجمل القصائد الكلاسيكية، كم تمنيت لو ان فيروز قدمتها في احدى حفلاتها الحية… لكانت ممتعة جدا على الخشبة".وبعدها قصيدة "لملمت ذكرى لقاء الامس"، وعنها قال: "فيها طابع القصائد الكلاسيكية على رغم انها لا تتعدى الـ 3 دقائق… من اجمل نماذج تطوير القصيدة العربية". ثم توقف عند: "محطة جديدة اخرى في التطور الرحباني – الفيروزي، في التعامل مع الفولكلور اللبناني والمشرقي…". وفي "المحطة الجديدة": هيك مشق الزعرورة"، التي اعادا صوغها ليكون لها، الى طابعها الفولكلوري، "دمغة رحبانية"، وفيها: "استخدام لافت للعود المنفرد… ويذكر عزف عبد الغني شعبان الراقي… قطعة من اجمل ما يكون. نلاحظ المستوى الراقي جدا في معالجة المادة الفولكلورية، وكيف ان مساحات صوت فيروز اكتملت الأغنية فأخرى". الى نمط فولكلوري من ابداع "الاخوين" غير مأخوذ من لحن آخر، "نحن ودياب الغابات ربينا"، عنه قال سحاب: "هذا اللحن الجميل والغريب… من اجمل ما انتج في الفن الرحباني ويقال ان الاخوين كتبا الأغنية هذه انطلاقاً من تأثرهما بأجواء الطبيعة في انطلياس حيث ولدا وترعرعا، هذه من الاجمل ويندر سماعها في الاذاعات". اضاف: "لحنها قريب من الفولكلور البدوي – الصحراوي، وكثر حاروا في تحديد من لحّنها، عاصي ام منصور، لكنني استطيع ان اؤكد من باب الاستنتاج، انها من اعمال عاصي لانها ملحّنة على آلة البزق التي كان ماهراً في عزفها، وورث هذه المهارة زياد".

في المرحلة الاخيرة في الامسية التي كان على الحضور ان يتمهّل مراراً كي يسترد انفاسه فيها، 3 ألحان، "من النمط الحديث في الألحان، يظهر من خلالها تأثرهما بالموسيقى الغربية، مع الاشارة الى انهما لم يقلّدا يوماً، بل ظهرت شخصية اعمالهما الخاصة"، وهي: "نحنا والقمر جيران"، وعنها قال: "اعتبر التسجيل الاول الاكثر صفاء ونقاء، وعاشت هذه الاغنية لانها نموذج عن النمط الحديث في الالحان الرحبانية". والثاني: "بعدنا"، "هي اغنية يمكن ان يعتبر بعضهم انها تحاكي الحنين الى فلسطين، ويمكن ايضاً ان تجسّد حنيناً يشعر به كل من يهاجر من المدينة الى الريف… من اجمل الالحان التي فيها تعبير عن الحنين… وفيها مشاركة للعازف المبدع أليكس الذي كان أروع عازف في البلاد، وتظهر فيها قدرة فيروز في السيطرة على صوتها بكل الطبقات". والقطعة الاخيرة: "بعد الليالي ليالي"، "قطعة تتحدث عن نفسها، وتتميز بالقوة… فيها موهبة اللحن والاتقان الراقي جداً في التنفيذ الاوركسترالي… الى صوت فيروز الراقي". وعن حساسية صوت فيروز امام الميكروفون، تحدث سحّاب عن احدى السهرات في بيت "عاصي وفيروز" في انطلياس، على شرف محمد عبد الوهاب" فيها اخبرنا عاصي ان فيروز حازت جائزة عالمية عن حساسيتها المرهفة امام الميكروفون… كانت من سهرات العمر".  

السابق
نقاشات إسلامية حول وصول الإخوان إلى الحكم: مؤامرة أميركية أم نصر إسلامي؟
التالي
ورشة حماية حقوق المرأة