عسكرة الشرق الأوسط.. بلا جدوى؟

أظهر «الربيع العربي» أن الأسلحة الأميركية لم تعد تشكل الغطاء المانع للاضطرابات والمنافسة العربية – العربية، كما كانت عليه سابقاً.. لم تعد المساعدات العسكرية الأميركية ضامنة لثبات الحلفاء «الحقيقيين»…
لحوالي 40 عاماً، كانت الولايات المتحدة تعتمد على مصر، الحليف الموثوق به، لإدارة شؤون الشرق الأوسط بما يتلاقى مع المصالح الأميركية. في تلك الفترة، منذ عهد أنور السادات إلى عهد حسني مبارك، حمت المساعدات الأميركية العسكرية نظام القاهرة الذي حافظ بدوره على السلام مع إسرائيل وعمل وفق الأوامر الأميركية، سواء بتوفير قوات عسكرية رمزية للحروب الخليجية أو بتشكيل وجهات سرية لـ«الحرب على الإرهاب».
من هنا المساعدات العسكرية لم تبدأ فعلا بالتدفق الى مصر سوى بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، كان نمط التعاون قد عُيّن مسبقا. خلال عهد السادات، كان للغرب فرصة التمتع بمكانة خاصة في القاهرة، مثلما كانت عليه الامور قبل كارثة السويس عام 1956.

عندما بدأ نظام مبارك يترنح في أعقاب الأحداث التي وقعت في تونس قبل عام من اليوم، كانت علاقة اميركا والجيش المصري قد شهدت نمواً جيداً. بعد ذلك بقليل، وقف جنرالات المؤسسة العسكرية امام خيارين، إما الولاء لمبارك وإما رعاية أنفسهم كمستقبلين للمساعدات الأميركية التي جعلتهم نخبة مميزة… عندما قاوم مبارك الاقتراحات الاميركية لتقديم تنازلات، وكذلك في ما يتعلق بالتدخل الأجنبي، طالبه الزعماء الاميركيون بالتخلي عن السلطة. ولكن عندما تصرف الجيش المصري وفقاً للتوقعات، قال الرئيس باراك أوباما إن الأحداث في مصر تتناقض مع قمع المعارضة في إيران: «حتى الآن، على الأقل، نحن نرى الاشارات الصحيحة تخرج من مصر».
بالرغم من ذلك، عاد المحتجون الى ميدان التحرير مشكلين تحدّياً كبيراً للنظام العسكري الذي وعد بخطوات باتجاه نظام دستوري. في هذه الأثناء، عمّقت الانتخابات الحديثة المخاوف من ان يدفع صعود التيار السلفي بالسياسة في مصر باتجاه الاسلام المتشدد.

في كل الأحوال، يبدو واضحاً ان تأثير واشنطن على الوضع في مصر وسواها تراجع نتيجة «الربيع العربي». اذ وقفت الولايات المتحدة في موقع المتفرج عندما تولت السعودية قمع الاحتجاجات في البحرين، حيث لأميركا قاعدة بحرية ضخمة، كما اتسم موقف واشنطن بالغموض حيال التطورات في اليمن، حيث نزف الجميع بهدف إنهاء دكتاتورية صالح. اما عندما انضمت الولايات المتحدة للأصوات المطالبة بتنحي الرئيس السوري بشار الأسد، ودعمت التطورات التي أدت الى إسقاط الدكتاتور الليبي معمر القذافي، فكانت الصورة العامة للسياسة الاميركية صورة السلطة الاحتياطية الشائخة، الخائفة من فقدان السيطرة على المعلومات والاتصالات.
.. في عام 2009، قالت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون إن الاميركيين «يعقدون صفقات عسكرية كثيرة ويبيعون انظمة تسلح لعدد من البلدان في الشرق الاوسط والخليج». أما اليوم فجدوى هذه الصفقات لم تعد مضمونة، خصوصاً أن المنطقة مقبلة على فترة من نوع آخر.

إن الاعتماد على المساعدات العسكرية وغيرها من الأساليب القديمة لتأمين النفوذ داخل منطقة الشرق الأوسط، قد يكون له عواقب خطيرة.  

السابق
نحاس: الأمور أخذت مجراها القانوني في موضوع تصحيح الأجور
التالي
سينغ: ضمان أمننا مسؤولية لبنانية وقلق لدى الجنوبيين