روايتان عن لقاء ميقاتي نصر اللّه

لقاء واحد جمع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله خلال فترة الأعياد. لقاء واحد جرت روايته بطريقتين مختلفتين. لم يصدر تقريباً أي شيء عن اللقاء، لم تظهر الصورة، لم يتحدث أحد علناً عنه. لم يكن السيد نصر الله مبتسماً حين استقبل ميقاتي الذي زاره بعيد تصويت وزيري الحزب على تصحيح الأجور وفق اقتراح نجيب ميقاتي، وهو التصويت الذي سبّب أزمة جدية، وأوضح خللاً في إدارة العملية السياسية والتنسيق ما بين الحزب وحلفائه، وأوضح إمكان وقدرة ميقاتي على اجتذاب أصوات من يفترض أنهم يمثّلون الكتل الصلبة في تحالف الأكثرية.

ومن يعلم ما حصل في اللقاء يتحدث عن لقاء مكفهر، حيث لم يبتسم الأمين العام لضيفه، وبدأه بالعتب الشديد، ومنذ اللحظة الأولى، قائلاً «غدرت بنا». اللقاء بقي على الإيقاع نفسه من العتب. رئيس الحكومة لم يبد الكثير من الممانعة أمام مضيفه. في السابق كان يمكن سماع رئيس الحكومة يردّد كلمات المديح لهذا الرجل أمام أي شخص يمكن أن ينقل الكلام، أو يعتقد ميقاتي أنه سينقل الكلام إلى أذن نصر الله، ولكن تلك المرحلة قد انقضت كما يبدو. وصل الأمين العام للحزب إلى القول إن تمويل المحكمة قد مضى، وأصبح خلفنا، وما هو أمامنا الآن هو التجديد للمحكمة الدولية، منطلقاً في كلامه من رؤيته للمحكمة المسيّسة والأميركية ــــ الإسرائيلية الأهداف. وحين قال ميقاتي إن التجديد للمحكمة الدولية يحصل آلياً ولا مجال لتدخل الحكومة اللبنانية في هذا التجديد، وإن موعد آذار سيجدد للمحكمة من دون أي مراجعة للحكومة اللبنانية التي لن يكون رأيها مؤثراً، رفض الأمين العام ما اعتبره التفافاً على موقف حزب الله، وموحياً «هذه المرة لن تمر».

وتابع الأمين العام للحزب أن تغطية تمويل المحكمة من خارج مجلس الوزراء كان مزعجاً للحزب، وأدى إلى انزعاج حقيقي، والإخراج الذي حصل عبر تغطيتها من خارج الموازنة لم يُزل الإحراج والإزعاج. يقول الراوون إن اللقاء انتهى بكلام واضح للسيد نصر الله مفاده أنه في ما يتعلق بالتجديد للمحكمة «لن يكون الحزب وحده منزعجاً، بل سيكون رئيس الحكومة أيضاً على المستوى نفسه من الانزعاج».
اللقاء تطرق إلى عدد آخر من المواضيع. أكد السيد نصر الله أن الحزب وحلفاءه يصرّون على فتح ملف الشهود الزور الآن وقبل أي وقت آخر، وأن معالجة الأضرار التي لحقت بالضباط جرّاء التعسف والظلم تحتاج إلى خطوات عملية من جانب الحكومة. علماً بأن الطرفين تابعا هذا الملف. وقبل نحو عشرة أيام، التقى ميقاتي معاون نصر الله حسين الخليل والوزير محمد فنيش، ووعد ميقاتي بإبداء رأيه في هذا الملف منتصف الشهر الجاري.كذلك أشار الأمين العام لحزب الله إلى أن الحزب سوف يسير مع الحلفاء، وخصوصاً مع تكتل التغيير والإصلاح في برامج معالجة مشكلات الناس، وأن ملف الموازنة سوف يكون محل اهتمام ومتابعة جدّيين. بدا نصر الله مهتماً بإبلاغ ضيفه جدول أولويات الحزب وحلفائه للمرحلة المقبلة، وذلك انطلاقاً من كون ما حصل حتى الآن يفرض التعامل مع الحكومة بطريقة مختلفة.
الغريب بشأن اللقاء نفسه، هو ما يتردد صداه في السرايا الحكومية عن اللقاء نفسه. فمن هناك يمكن سماع رئيس الحكومة يخبر عدداً من المحيطين به أطرافاً من اللقاء، وكل شخص يحصل على جزء من اللقاء، وبصياغة مختلفة قليلاً عمّا سبق.
حين كان النقاش لا يزال مستعراً بشأن ما حصل في جلسة مجلس الوزراء من التصويت على مشروع رفع الأجور، وكيفية تجاهل مشروع شربل نحاس، وسوء التنسيق الذي ظهر بين أطراف الأكثرية، وخاصة التيار الوطني الحر من ناحية وحزب الله وحركة أمل من ناحية أخرى، كان رئيس الحكومة يبتسم في وجه محدثيه ويقول «ولكنني التقيت سماحة الأمين العام لحزب الله منذ بعض الوقت».

الإيحاء وحده لم يعد كافياً مع الوقت، فأخبر الرئيس ميقاتي بعض المحيطين به بوقائع اللقاء غير المعلن مع الأمين العام، وخاصة أول اللقاء، حيث استقبله الأمين العام متجهّم الوجه في البداية وبادره بالقول «لقد طعنتنا بالضهر، وبدأ الطعن بالضهر حين أعلنت تأييدك لتمويل المحكمة الدولية عبر الإعلام». هنا انتفض ميقاتي، بحسب ما يتردد بين زوار السرايا الحكومية، وقاطع مضيفه، سائلاً السيد نصر الله «قبل أن أقوم بما قمت به تشاورت مع دولة الرئيس نبيه بري. فهل الرئيس نبيه بري يتصرّف من تلقائه من دون مشاورة حلفائه؟»، عندها أجاب الأمين العام «طبعا لا». ضحك الرجلان واستمر اللقاء ودياً وطويت صفحة تمويل المحكمة وكل ما يتعلق بالمحكمة الدولية. وشدد ميقاتي للمقرّبين على أن اللقاء انتهى بتفاهم وود.
ما يمكن استنتاجه ببساطة من اختلاف الروايتين بشأن اللقاء نفسه هو أننا سنكون قريباً، وقبل موعد التجديد للمحكمة الدولية في آذار، أمام وجهتي نظر متناقضتين بشأن التجديد، وسيكون لرئيس الحكومة صولة جديدة في الميدان، وعلى الأرجح أنه سيحصل على ما يريده… كالعادة.  

السابق
الاخبار: ملف الأجور: حلّ سياسي في الحكومة أو تدخّل مجلس النواب؟
التالي
الحياة: سفراء أوروبا يشجعون ميقاتي على متابعة نهج الاستقرار في لبنان