حرب أهلية؟

أشعل كلام الأسد في الأيام الماضية فتيل توجّس من توجه سوريا حثيثاً الى حرب أهلية.. قبل التوجّس الآتي من تحليلات وقراءات ومعاينات مباشرة وغير مباشرة، مستورة ومعلنة، اطلق عدد من كبار القوم في المنطقة تحذيرات واضحة من ذلك المآل. وفي مقدّم من حكى وحذّر، كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان.
ويتفق كثيرون على ان الاقفال التام الذي وصلت اليه حالة السلطة في دمشق، لا مفتاح له إلا بتصعيد المواجهة وتحويلها من ثورة مدنية شعبية عامة الى حرب أهلية بهوية طائفية أو مذهبية واضحة لا لُبس فيها… انها احدى أهم وأخطر الاوراق التي يضبّها الأسد الى صدره، ويفلتها راهناً في ضوء ضمور اوراقه الأخرى وتضاؤل فاعليتها، سياسية كانت او ديبلوماسية او روسية(؟) عدا عن بهتان نظرية المعالجة الأمنية (بالتقسيط) في ظل الأضواء الكاشفة المسلطة على كل شاردة وواردة في سوريا اليوم.
ولا يختلف اثنان ولا ثلاثة ولا عشرة ولا أكثر منهم، على ان ما تهدّد به السلطة الاسدية، تعمل لتنفيذه طالما استطاعت الى ذلك سبيلاً وتفجيراً وتفطيساً وتنكيلاً وبطشاً وارهاباً… وفي أغلب الاحيان، لا تتوقف كثيراً عند التبعات، بل تضع مسبقاً سيناريو الفعل وردّ الفعل.. وتنفذ!

ويخطئ من يفترض عشوائية في تلك القرارات، أو قصوراً في المعرفة.. لكن لا يخطئ ابداً واطلاقاً من يعتقد ان لبّ المشكلة في تلك القرارات يكمن في "توقيتها"!
.. لا يزال ظن سلطة دمشق الحاضرة، مقيماً في الماضي. حيث أدت "المعالجات" الدموية سابقاً الى النتائج المتوخاة منها مرة واثنتين وثلاثاً واربعاً وخمس مرات وأكثر. وأمكن من خلال تلك المقاربات تكريس السلطة وتدعيمها وإطفاء الحرائق التي اشتعلت في وجهها. بل ان تاريخ سوريا مع حزب البعث منذ العام 1963 الى اليوم ليس إلا محطات متفرقة من المواجهات العنيفة بين القابضين على الحزب والسلطة من خلاله، وبين المناوئين لهم!.

لكن من جديد، ذلك كان في ما مضى. ومعضلة المعاضل اليوم هي في استمرار الافتراض، ان ذلك العلاج لا يزال فاعلاً وكافياً للبرء والشفاء من امراض الاعتراض الراهنة.. بهذا المعنى السريع والبريء، فإن رمي ورقة الحرب الاهلية على الطاولة في وجه الجميع، و"العمل الدؤوب" من اجل الوصول اليها، لا يعنيان بالضرورة نجاحاً في استثمار مفاعيلها. لا توجد في عالم اليوم "حروب اهلية" صافية. هي تكون كذلك في منطلقاتها وادواتها وضحاياها ولفترة وجيزة وسريعة، بل يمكن تكرار ما قيل سابقاً في هذا الاطار من ان اي "حرب اهلية" لا يمكن الا ان تكون سريعة جداً ولفترة زمنية قصيرة تُحسب بالايام، وبعد ذلك تصير حرباً اقليمية ودولية مُصغّرة!

ومُحقّ من قال، ان المدار المحيط بسوريا لن يسمح للسلطة باستثمار تلك الورقة، حيث إن الأمر لا يتعلق فقط بحسابات الاسد وحاشيته والطقم المحيط به، بل بحسابات تتعلق بالامن القومي الكياني الوجودي لدول الجوار، وخصوصا تركيا..
لا تنفع الحسابات الباردة والهادئة في تلك الحالة الحارة والمتفجرة، لا عند الاتراك ولا عند غيرهم. تفجير النزاع السوري على اساس طائفي او مذهبي أمر لا تحتمله تحديداً (ومثلاً) الجغرافيا الطبيعية والسياسية والاجتماعية والتاريخية التركية. وبالتالي فإن الفعل المضاد لذلك الارتكاب الأسدي لن يكون إلا على مستوى ذلك الارتكاب.. والمجزرة (العسكرية) في هذه الحالة لن تكون في محصّلتها لحساب من اطلق شرارتها!.

هل يصحّ طرح السؤال بعد ذلك، عما اذا كانت سلطة دمشق تعرف الأمر وتطلبه في لعبة انتحارية مدمّرة لها ولغيرها ام انها لا تزال غارقة تماماً في متاهة التوقيت: مقيمة في ماضٍ اندثر، وغائبة حتى نخاعها عن الحاضر وأهواله، وعن الواقع وأحكامه القاطعات؟!
في كل الحالات، لا تحمل الأجوبة للسلطة السورية أي شفاء من علّة شيخوختها واندثارها.

  

السابق
الراي: جنبلاط يحرق المراكب مع الأسد ويستعيد الجسور مع حزب الله
التالي
مضيق هرمز مقابل إنقاذ الاسد