الاخبار: ملف الأجور: حلّ سياسي في الحكومة أو تدخّل مجلس النواب؟

من جديد، اجتمعت لجنة المؤشر. أدلى كل طرف بما لديه. ارتفع الصوت، وطال النقاش. لكن الأطراف لم تتوصل إلى حل. ومن جديد، سيعود النقاش إلى المستوى السياسي، علناً، بعدما كانت السياسة شبه مضمرة. لكن أهل السياسة مختلفون أيضاً، ولا يزالون يبحثون عن حل. والجديد، هو إمكان طرح ملف بدل النقل على مجلس النواب

مرّة أخرى، فوّت ممثلو هيئات أصحاب العمل وقيادة الاتحاد العمّالي فرصة الخروج من لجنة المؤشّر بصيغة قانونية «منصفة» لتصحيح الأجور تنهي 3 أشهر من المدّ والجزر. إلا أن تضييع الفرصة الجديدة لم يكن سببه الاختلاف في مواقف الطرفين الأساسيين في هذه اللجنة، بل إنه، على العكس تماماً، ناتج من «تنسيقهما». وسيؤدي هذا التنسيق إلى إخراج هذا الملف «الحيوي» من بين يدي وزير العمل شربل نحّاس، وأخذه مجدداً إلى «البازار» السياسي، كما حصل في المرّات السابقة، وهو ما أوحى به أكثر من مصدر متابع، إذ تقاطعت المعلومات على وجود اتصالات مكثّفة بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي وعدد من الفاعلين في الهيئات الاقتصادية لإيجاد صيغة «لا تزال غير واضحة» تسمح بإمرار الاتفاق الرضائي بين الاتحاد العمالي العام وأرباب العمل في جلسة مجلس الوزراء المقررة الاثنين المقبل.

وبحسب هذه المعلومات، يجري التداول ببعض الأفكار «غير الناضجة»، منها:
ـــ أن يصدر مجلس الوزراء قراراً، خلافاً لرأي مجلس شورى الدولة، يتضمّن ما توصّل إليه هذا الاتفاق لجهة تحديد الحد الأدنى للأجور بقيمة 675 ألف ليرة، وزيادة الشطر الأول من الأجر حتى مليون ليرة بقيمة 200 ألف ليرة، وزيادة الشطرين الثاني والثالث بقيمة 50 ألف ليرة لكل منهما، على أن يصدر مرسوم استثنائي منفصل، خلافاً لرأي مجلس الشورى أيضاً، يحدد بدل النقل بقيمة 8 آلاف ليرة عن كل يوم عمل فعلي لسنة إضافية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى منحة التعليم. إلا أن هذه الصيغة يعترض عليها بشدّة رئيس تكتّل التغيير والإصلاح ميشال عون، ويسانده بذلك حزب الله، فضلاً عن أن وزير العمل سبق أن أبلغ مجلس الوزراء أنه لن يوقّع أي مرسوم يخالف الدستور أو القوانين، علماً بأن هذه الصيغة معرّضة للطعن والإبطال.
ـــ أن يبادر عدد من النواب إلى تقديم اقتراح قانون معجّل يفوّض إلى مجلس الوزراء صلاحية تحديد بدل النقل كعنصر «كلفة» من خارج الأجر، ولا سيما أن رئيس الجمهورية بصدد طلب فتح دورة استثنائية لمجلس النواب، ما يتيح إقراره بسرعة. وهذا الاقتراح أيّدته أمس الهيئات الاقتصادية بعدما كان أعضاؤها قد تقدّموا منذ عام 2002 حتى اليوم بأكثر من 30 مراجعة أمام مجلس الشورى للطعن بالمراسيم المخالفة للقوانين المتعلّقة بتحديد بدل النقل والمنحة التعليمية، وطالبوا بإبطالها كلّها، وهو ما استجاب له المجلس أخيراً. إلا أن هذه الصيغة أيضاً لا تحظى بتوافق من جميع الاطراف، ولا سيما تكتل التغيير والإصلاح، فضلاً عن أنها تشرّع للكثير من المؤسسات مواصلة التعدّي على حقوق الأجراء، إذ إن دراسة أعدّها البنك الدولي في عام 2010 كشفت عن أن نصف الأجراء في القطاع الخاص لا يتقاضون ما يسمّى بدل النقل.
لكن مصادر مقربة من رئيس مجلس النواب أكدت أن اقتراح التوجه إلى البرلمان لا يزال غير مطروح على طاولة البحث، مشيرة إلى أن قوى الأكثرية لديها من الوقت ما يكفي للخروج بحل يمكن إقراره في مجلس الوزراء. وبرأي المصادر، فإن «المهمة اليوم ملقاة على عاتق مجلس الوزراء. لكن إذا احتجنا في مرحلة لاحقة إلى إصدار قانون ما، فسنتوجه إلى مجلس النواب، لكن هذا الأمر غير مطروح حالياً».
ـــ أن يتبنّى مجلس الوزراء الصيغة القانونية التي وضعها وزير العمل وحصل على موافقة مسبقة عليها من مجلس شورى الدولة، ولكن تجري محاولات لتعديل الارقام والنسب المقترحة لكي تأتي زيادة الأجور أدنى مما ينتظره الأجراء، وتحقق بعضاً من مطالب ممثلي أصحاب العمل، وبالتالي يجري التخلّص نهائياً من بدعة بدل النقل. إلا أن الحد الأدنى للأجور سيكون منخفضاً ولا يعوّض فيه قيمة بدل النقل للذين كانوا يتقاضونها، وهو ما سيمثّل خسارة للأجراء بدلاً من منحهم مكاسب تضاف إلى تحصين أجورهم. إلا أن هذه الصيغة لا تزال مرفوضة من ممثلي أصحاب العمل، لكونها تنطوي على زيادة مئوية بنسبة كبيرة على الشطر الاول من الأجر، الأمر الذي سينعكس زيادة في الإيجارات التجارية. وأكدت مصادر وزارية تقاطعت معلوماتها مع ما نقله عدد من زوار الرئيس نبيه بري عنه لناحية قوله إن الاطراف المشاركة في الحكومة صارت محرجة، وعليها بتّ ملف الأجور وعدم المماطلة به. وقال زوار بري إنه أكد ضرورة خروج الحل من عند وزير العمل، لكي لا يظهر تكتله في مظهر المنكسر. لكن مصادر رئيس الحكومة لا تزال تؤكد أنه متمسك بالاتفاق الذي عقده العمال وأرباب العمل، لكن مع إبقاء الباب مفتوحاً امام أي صيغة ترضي أطراف الإنتاج. بدوره، أكد أحد وزراء الحزب التقدمي الاشتراكي أنهم، في حال تقدم وزير العمل بمشروع مرسوم إلى مجلس الوزراء يأخذ برأي مجلس شورى الدولة، فإنهم سيصوتون لمصلحته.
كل هذه الأفكار لم يجر طرحها أو التداول بها في اجتماع لجنة المؤشّر أمس، بل تمسّك ممثلو هيئات أصحاب العمل وقيادة الاتحاد العمّالي باتفاقهم كما هو، على الرغم من إقرارهم بأنه يخالف القوانين ولا يحصّن الأجر. واتخذ رئيس الاتحاد العمّالي غسان غصن موقفاً جديداً يختلف عن موقفه في الاجتماع السابق، ينطوي على مزايدة واضحة، إذ أعلن في الاجتماع أن موقفه حاسم بالالتزام باتفاقه مع هيئات أصحاب العمل، وإلا فإنه يطالب بتحديد الحدّ الأدنى للأجور بقيمة مليون و250 ألف ليرة، وزيادة الأجور بنسبة 100% من دون أي شطور وبلا أي سقف، والاحتفاظ بحق العمّال المكتسب ببدل النقل ومنحة التعليم وبالزيادة المقطوعة بقيمة 200 ألف ليرة المقررة في عام 2008 خلافاً للقوانين، فيما ممثل هيئة التنسيق النقابية حنّا غريب سلّم اللجنة مذكّرة تتضمن موقفها الداعي إلى تصحيح الأجور بنسبة 60% على الشطر الاول، و40% على الشطر الثاني، و20% على الشطر الثالث، وضم بدل النقل إلى صلب الراتب، وزيادة التنزيل الضريبي إلى 1.5 مليون ليرة، والمحافظة على نسبة الدرجة للعاملين في القطاع العام. عند ذلك أعلن الوزير نحّاس ختم أعمال لجنة المؤشّر، وأبلغ المشاركين أنه سيعكف على وضع تقرير بنتائج أعمال لجنة المؤشّر لرفعه إلى مجلس الوزراء، مرفقاً بمشروع مرسوم جديد ورأي مجلس الشورى به. وقال «ليكن واضحاً للجميع أن الحكومة لن تتواطأ مع بعض المخالفين لتمويه جزء من الأجر وحرمان الأجراء منه. هذا كان يحصل في السابق، ولكنه لن يحصل الآن».
كلام جاء تعليقاً على نتائج دراسة للبنك الدولي في عام 2010، عرضها الخبير الاقتصادي كمال حمدان في اجتماع أمس، توضح أن 43% من الأجراء في القطاع الخاص لا يتقاضون بدل النقل، و2% لا يعلمون أصلاً بوجود بدل للنقل، ما يعني أن نحو 300 ألف أجير يُسلبون جزءاً حيوياً من أجرهم، وهذا يعادل نحو 450 مليون دولار سنوياً يُحرم الأجراء منها وتضاف إلى أرباح المؤسسات وأصحاب العمل بطرق غير مشروعة. وتظهر النتائج سلبية أكثر في التفاصيل، إذ إن 70% من الأجراء غير النظاميين لا يتقاضون بدل النقل، في مقابل 30% من الأجراء النظاميين (أي المصرّح عنهم لصندوق الضمان)، ويتبيّن أن 51% من الأجراء في الصناعة لا يتقاضون بدل النقل، و57% في قطاع التجارة، و89% في قطاع الزراعة.
هذه المعطيات أثارت اهتمام الجميع في اللجنة، بمن فيهم ممثل جمعية الصناعيين وليد عسّاف الذي استفسر عن كل تفصيل فيها، فيما رئيس الاتحاد العمّالي العام علّق على هذه الأرقام بأن بدل النقل هو حق مكتسب ولن نتنازل عنه. وقال إن هناك اتفاقاً مع هيئات أصحاب العمل يضمن تطبيقه. وأثار كلام غصن حفيظة ممثل هيئة التنسيق الذي قال إن ضمانة حق العمّال تكون بتطبيق القانون وإلغاء بدعة بدل النقل وتوحيد الأجر. وحسم نحّاس النقاش في هذا الشأن بتذكير المشاركين بأن بدل النقل غير موجود، وبالتالي سيجري تطبيق القوانين التي تفرض التصريح عن كامل المبالغ التي يتقاضاها الأجير.
بعد الاجتماع، أوضح نحّاس «أن المبالغ التي وافق أصحاب العمل على دفعها ووافق الاتحاد العمالي على أن يتقاضاها الأجراء، سنضعها في الإطار القانوني بحسب رأي مجلس الشورى، وسنرفع اللازم إلى مجلس الوزراء في أقرب وقت». وأضاف أن «الحكومة مسؤولة عن تنفيذ القوانين، وهذا يعني أمرين: تعيين الحد الأدنى وتحديد نسبة غلاء المعيشة وكيفية تطبيقها، وكل ما عدا ذلك هو أمر لسنا معنيين به».
وقال رئيس جمعية تجّار بيروت نقولا شماس إن «الهيئات الاقتصادية اجتمعت اليوم (أمس) وأجمعت على التمسك بالاتفاقية الرضائية التي وقعتها مع الاتحاد العمالي العام، وحتى لا يحصل أي التباس في ذهن أي كان، نحن متمسكون بحيثيات الاتفاق وبروحه وبنصه وحذافيره».
وأشار غصن إلى «أن بدل النقل هو حق مكتسب لا يستطيع مجلس شورى الدولة ولا مجلس الوزراء ولا وزارة العمل التي هي أساساً حريصة على المحافظة على الحقوق المكتسبة أن تمنعه أو تلغيه». أمّا غريب فقال «إن الاتفاق بين الاتحاد والهيئات نحترمه، ولكنه لا يضمن حقوق العمال. ليس المهم الاتفاق، المهم هو ضمان حقوق العمال والموظفين والمعلمين والأجراء».
وخارج لجنة المؤشّر، أعلن رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال لبنان، مارون الخولي، أن «المعارضة العمالية النقابية» أعطت تفويضاً كاملاً لهيئة التنسيق النقابية للتفاوض في لجنة المؤشر، وأن الخطوات والتحركات المقبلة ستكون مشتركة، وتساءل: «على أي أساس جرى تبنّي الاتفاق الهجين مع الاتحاد العمّالي الذي ليس له أي قوة قانونية أو تمثيلية، وهو خارج إطار قانون العمل أو حتى الاتفاقيات الدولية التي تتطلب من موقّعي مثل هذا الاتفاق أن يكون تمثيلهم يفوق على الأقل 60% وليس 7%». 

السابق
القاعدة تنتشر!!
التالي
روايتان عن لقاء ميقاتي نصر اللّه