ما بعد أحداث سورية

في هذه الظروف الاستثنائية المحيطة بالعالم العربي والشرق الأوسط بل والعالم، قد يكون كثير من الكتابات في الشأن السوري وعمليات القتل هناك تكتب من عين واحدة، وان تمت محاولة تغطية الأحداث إعلاميا أو تحليلا بعينين ستكون القراءة بعين واحدة في كثير من الأحوال، وهذا ما يجعل الحديث عن سورية حديثا صعبا.
يبقى الدم السوري دما غاليا على الجميع، وتبقى حقيقة أن الإرادة الشعبية لا يمكن احتكارها، وان الغاية وان كانت نبيلة فهي لا تبرر الوسيلة. وتبقى أيضا حقيقة أن سورية ما بعد المواجهات الدامية وما بعد جريان الدم لن تكون كما قبل الأحداث الدامية التي أسالت الدم بين نظام حزبي وبين شرائح واسعة من الشعب.

«سورية من أهم الدول في الشرق الأوسط وزعزعة الاستقرار هناك ستكون له عواقب وخيمة في مناطق بعيدة جدا عن سورية نفسها». هذا التصريح لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يعكس النظرة والموقف الروسي من المواجهات في سورية، ويعكس قلق دولة كبرى على اختلال ميزان القوى والخطر على مصالحها في منطقة حساسة في العالم. فموقع سورية الجغرافي الحيوي المطل على حوض المتوسط، والأرض التي يلتقي فيها المشرق مع المغرب وموقع التجارة والنقل المهم بين آسيا وأوروبا وافريقيا، كل ذلك يجتمع في سورية، بجانب كونها مركز الشام الكبرى وتحمل إرثا تاريخيا وثقافيا يكاد يكون فريدا. بجانب ذلك هي دولة محور في الصراع العربي – الإسرائيلي المستمر وشبكة علاقاتها الاجتماعية مرتبطة بشكل كبير بجوارها في بلاد الشام الكبرى والعراق وشبه الجزيرة العربية وحتى تركيا شمالا.

لذلك ولهذه الخصائص التي تتمتع بها سورية كانت هناك مخاوف لدى البعض من قضية تدويل الصراع فيها كما حدث مع ليبيا، فسورية وان كانت اصغر حجما وأقل ثراء من ناحية الذهب الأسود على الأقل إلا إنها في محل عصب حساس يجب مداراته في جميع الأحوال. فها هو أيهود باراك الذي يبدي توقعه الممزوج بالنشوة بسقوط قريب للنظام والذي يعتبره «نعمة للشرق الاوسط»، يبدي في الوقت نفسه مخاوفه من عواقب السقوط وما قد ينتج عنه من أحداث قد تنعكس آثارها ولو بعد حين على كيانه المحتل نفسه.

وهذه البوارج والسفن الحربية الروسية ترسوا في القاعدة البحرية في طرطوس السورية والتي تعد مركزا تموينيا أوحدا للبحرية الروسية في المتوسط وهي بذلك ترسل إشارات لكل من يهمه الأمر بأهمية الأرض في سورية.
ثمة جهة تقود مسعى يدرك حساسية الموقع الجغرافي والسياسي لسورية، وهي جهة تهولها في الوقت نفسه الدماء المسفوكة من الشعب السوري، وهي أيضا تريد حلا للازمة من خلال البيت العربي، لكي لا ينكشف هذا البيت وأمنه أكثر مما هو حاصل حاليا. فضمن المساعي الفريدة على المستوى العربي تم تشكيل لجنة عربية تشمل مراقبين ميدانيين للخروج من الأزمة في سورية. ولعل تشكيل هذه اللجنة مع احتمال نجاح مهمتها سيشكل سابقة عربية ايجابية بالتعامل مع الأزمات الداخلية بشكل إنساني بعيدا عن التدويل، ومن الممكن مع صفاء النوايا تطبيق هذه التجربة الوليدة على دول عربية أخرى تشهد أو قد تشهد وضعا مشابها من دون عنصر التدويل والتهديد بالتدخل العسكري المسلح.قد تحتاج هذه اللجنة العربية بمراقبيها إلى الدعم والوقت الكافيين، مع عدم إهمال حقيقة أن هناك دماء تسيل يوميا. وقد نقلت صحيفة الأبزورفر البريطانية عن رئيس بعثة المراقبين العرب إلى سورية الفريق محمد الدابي قوله بأن مهمة المراقبين بالكاد بدأت، وهي المرة الأولى التي تقوم فيها الجامعة العربية بمثل هذه المهمة.
لكن للأسف سرعان ما دبت الخلافات بين أعضاء اللجنة وان لم يكن بشكل ظاهري، فقد نُقِل عن صحيفة عكاظ السعودية أن هناك خلافات بين أعضاء اللجنة بين رأي يود اعطاء فرصة للجهود العربية، ورأي آخر يدفع باتجاه التدويل وتصعيد الملف للأمم المتحدة. وقد نقلت الصحيفة نفسها تحذير وزير الخارجية المصري محمد عمرو من مغبة إحالة ملف الأزمة السورية إلى مجلس الأمن «لما سينطوي عليه من أضرار ضخمة لن تقتصر على سورية وحدها وستطول المنطقة برمتها»، مفضلا كما ذكر الحل العربي لأن فشله ستكون له «عواقب وخيمة».

مهما يكن الجدل حول ما يحدث في سورية تبقى حقائق لا مفر منها يجب وضعها نصب أعين المسؤولين العرب على وجه الخصوص وكل من له علاقة بالملف السوري، أهمها أن الدماء السورية غالية، وان سورية عصب رئيسي في المنطقة، وهي مثقلة كأرض وشعب ونظام بملفات كبيرة وخطيرة، فما يمكن أن يحدث في سورية سيطول تأثيره الجميع سواء كان صديقا للنظام هناك أو عدوا.  

السابق
زواج فريدة وأسعد: عرس الموسم الفريد والنادر
التالي
الشيخ زيد فرحات يروي ذكرياته في النجف الأشرف