الراي: خطاب الأسد أزاح الملفات الداخلية اللبنانية بانتظار انقشاع الرؤية إقليمياً

بقي المشهد السياسي اللبناني امس «تحت تأثير» خطاب الرئيس السوري بشار الاسد، حيث انهمكت الاوساط السياسية بمحاولة استكشاف الأثر الذي تركته مبادرة الجامعة العربية على وضع النظام السوري عموماً، كما استشراف الانعكاسات الاضافية المحتملة للأزمة السورية على لبنان.
وبدا واضحاً من الانطباعات الاولية والفورية التي تركها الخطاب الذي أعقبه الأسد بإطلالة «وجهاً لوجه» بالغة الدلالات على مناصريه في دمشق امس (ترافقت مع اطلاق نار ابتهاجاً في جبل محسن في طرابلس)، ان الانقسام العمودي في لبنان حيال الازمة السورية مرشح لمزيد من التفاقم، وإن بوتيرة مضبوطة على ايقاع الواقع السياسي الراهن الذي انتقل الى مرحلة سحب «الفتائل» السياسية على المستوى الداخلي بانتظار «انقشاع الرؤية» اقليمياً.
فالقوى المعارضة، اي «14 آذار»، لم تر في اللهجة التصعيدية والهجومية التي طبعت خطاب الاسد تجاه العرب سوى نذير بتفاقم العزلة التي يعيشها النظام، وتالياً مضيه نحو فصول اضافية من القمع الدامي للثورة على نظامه. واذا كانت هذه القوى لا تضرب اي مواعيد محددة لنهاية وشيكة للنظام، فهي تبدو على اقتناع ان التصعيد الذي اعتمده الاسد لا يعدو كونه هروباً الى الامام اسوة بمعظم الحكام العرب الذين ضربتهم الثورات. ولكنها توقعت تفاقماً كبيراً في المنحى الدموي للازمة السورية في المرحلة المقبلة. اما القوى الموالية، اي «8 آذار»، فبدت على انشراح واضح لنبرة القوة التي علت خطاب الاسد، مما يزوّدها مزيداً من الرهان على صمود النظام السوري. وهي رأت ان هذا الخطاب يعكس شعور الاسد بامتلاكه اوراق قوة داخلية وخارجية تدفعه الى الظهور مظهر القوة في مواجهة ما تعتبره هذه القوى استفحالاً للهجمة الخارجية على النظام. وتبعاً لهذه القراءة بدا من الواضح ان الخطاب ارخى ذيول استشعار قوى «8 آذار» بان خصومها في الداخل يفقدون الرهان على انهيار النظام السوري، على الاقل في مواعيد كانوا يعتقدونها وشيكة.
بين هذا الانطباع وذاك، تعتقد اوساط واسعة الاطلاع ان الوضع الداخلي في لبنان مرشح للثبات على وتيرته الحالية من دون اي خضات كبيرة، اذ أثبتت مسألة الاتهام بوجود تنظيم «القاعدة» في لبنان والسجالات التي دارت حولها، ان الصراع السياسي لا يزال يدور ضمن اطر مضبوطة ولو على نحو هشّ.

وقالت هذه الاوساط لـ «الراي» ان ليس هناك حالياً ما يثير خشية كبيرة على تطورات غير محسوبة في لبنان حتى لو مضى الوضع في سورية نحو مزيد من التدهور باعتبار ان لبنان مرّ بنحو عشرة اشهر من عمر الازمة السورية وفق هذه الوتيرة المضبوطة ولا شيء يحول دون استمرارها الى امد طويل ما دام اي عنصر استثنائي او حدث طارئ كبير لم يحصل.
ومع ذلك تعتقد الاوساط نفسها ان كل شيء يبقى مرهوناً بالتطورات الخارجية اكثر منها بالتطورات الداخلية. فليس في الوضع الداخلي ما يثير الخشية الآن من تبدل الاوضاع، ولكن الخارج بما يحبل به من احتمالات متنوعة خصوصاً حيال الازمة السورية، سينعكس حتماً على لبنان في مرحلة من المراحل الآتية.
ولذا تقول الاوساط ان حسابات القوى الداخلية لم تصل بعد الى مرحلة الاختبار الحاسم للحفاظ على الاستقرار النسبي الذي يعيشه لبنان، وهو اختبار سيأتي اوانه فعلاً حين يتبين ان المعركة الفاصلة بين النظام السوري وخصومه الدوليين والعرب ستبدأ مع انهيار المبادرة العربية.

وغداة وصف الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري خطاب الاسد بانه «سخيف» ويعبّر عن حال «النكران» التي يعيشها الرئيس السوري، واعلان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ان «الاسد امضى وقتلا ًطويلاً يتكلم في كل شيء الا في حقيقة الأزمة، واختار مفاهيم سفسطائية في منطق بيزنطي»، رأت الامانة العامة لقوى 14 آذار ان «خطاب رئيس النظام في سورية انطوى على تلويح بمزيد من العنف الدموي في الداخل، والإشتباك مع المجتمعين العربي والدولي، ما يتطلّب مزيداً من الخطوات العربية والدولية لِلَجم ارتكاباته في الداخل وترجماته في الخارج»، وقالت: «وإذا كان لبنان نأى بنفسه، بلا مبرّر، عن الملف السوري في مجلس الأمن، فإن الحكومة مدعوّة اليوم، أكثر من أي وقت، الى أن تنأى بلبنان عن ترجمة النظام السوري لخطّته المضمرة في خطاب رئيسه».
وضمّت 14 آذار بعد اجتماع امانتها العامة امس «صوتها الى صوت الشعب السوري في مطالبة بعثة مراقبي جامعة الدول العربية بتسمية الأمور بأسمائها، ونقل صورة دقيقة عن المجازر»، مشددة على ان «التجارب اثبتت أن النظام السوري يسعى لاستغلال أي مبادرة ديبلوماسية أو مسعى سياسي في سبيل كسب الوقت وممارسة قدر أكبر من القمع».

وينتظر ان تكتمل لوحة المواقف اللبنانية من كلام الأسد، الذي نقل الأزمة السورية الى مرحلة جديدة، مع إطلالة الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله بعد غد حيث يفترض ان يتطرق في كلمته الى الوضع السوري وقضايا اقليمية الى جانب عناوين داخلية من دون استبعاد ان يتطرق الى زيارة الامين العام للامم المتحدة بان كي ـ مون للبنان التي تتزامن مع موعد إلقاء الكلمة.
وقد لفتت اوساط مراقبة الى ان «حزب الله» وبعد خروج احد مسؤوليه قبل ايام ليعلن ان بان «غير مرحّب به» في بيروت، تجنّب نقل التحفظ عن زيارة المسؤول الاممي الى مستوى اعلى وذلك حرصاً على عدم إرباك وضع الحكومة وزيادة «التصدعات» في صفوفها في مرحلة دقيقة اقليمياً ربما لا مصلحة فيها حالياً في كشف الوضع اللبناني سياسياً. علماً ان تقارير ذكرت ان «جس نبض» حصل من فريق بان حيال امكان عقد لقاءات في بيروت مع قياديين من «حزب الله» وسط توقعات بحظوظ شبه معدومة لإمكان تحقيق مثل هذا الاجتماع.

ومعلوم ان المنسق الخاص للمنظمة الدولية في لبنان بالانابة روبرت واتكنز كان جال على كبار المسؤولين اللبنانيين عارضاً لترتيبات زيارة بان التي تبدأ غداً ناقلاً تطلع الاخير الى اجراء محادثات مع اكبر عدد ممكن من القادة اللبنانيين في شأن ضمان استمرار الاستقرار والامان في لبنان، اضافة الى تأمين التزامات لبنان الدولية وكل قرارات مجلس الامن ومنها الـ 1701 (حول الجنوب) والـ 1680 (ترسيم الحدود مع سورية) والـ 1757 (المحكمة الدولية) والـ 1559 (السلاح غير الشرعي) الذي سيكون ناظره تيري رود ـ لارسن في عداد الوفد المرافق للامين العام للامم المتحدة الذي يتألف من نحو 10 من كبار المستشارين والمسؤولين في مكتبه في نيويورك.
والى جانب لقاءات بان مع كبار المسؤولين، تتجه الانظار الى مشاركته يوم الاحد في المؤتمر الدولي الذي تنظمه اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا «الاسكوا» بعنوان «الاصلاح والانتقال الى الديموقراطية في العالم العربي» بحضور حشد من الشخصيات العربية والاجنبية بينها وزير الخارجية التركي احمد داوود اوغلو الذي ستكون له كلمة في المؤتمر، إلى جانب الامين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى.
ولم تستبعد معلومات لصحيفة «اللواء» ان يعقد اوغلو لقاءات مع عدد من الشخصيات اللبنانية من قوى 14 آذار، رافضة كشف اذا كان وزير الخارجية التركي يمكن ان يجتمع برئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، ومشيرة الى ان «اوغلو يسعى إلى لقاءات مع الرؤساء الثلاثة، في اطار رسالة ودّ تركية إلى لبنان ودعم المناخ الرامي إلى النأي بالبلد عما يجري في سورية والمحيط القريب». 

السابق
النهار: كونيللي أبلغـت ميقاتي قلق بلادها من انعكاسات سورية على استقرار لبنان
التالي
قال خسئتم