استخبارات إيران اخترقت جدار الصين!

إيران منهمكة على جبهات كثيرة، تظهر عضلاتها العسكرية أمام الأميركيين، فتبهر غير الخبراء، وتزود وقودا للمتربصين بها شرا. بالنسبة إلى روسيا تتظاهر بأنها تضمن «ود» القيادة هناك إلى حد ما، فالدولتان تلتقيان على الأقل في الخندق السوري، وإن كان لأهداف مختلفة، لكن تركيزها الكبير ينصبّ على الصين.
موقف إيران تجاه الصين مثير للاهتمام، من ناحية هي غاضبة لأن الصين تتعاون مع بعض من العقوبات ضد المصارف الإيرانية، ومن ناحية أخرى لا تزال الصين «المفتاح» الأساسي المانع أن تصبح العقوبات أكثر فعالية. كما ترى إيران أن الصين و«روسيا» توازنان الضغط الذي تفرضه الولايات المتحدة الأميركية وشركاؤها الغربيون، وتميل إلى توسيع العلاقات الاقتصادية معها كحماية من العقوبات الدولية، وهي تحاول جاهدة ربط الصين مع صفقات نفطية مغرية. ثم إن الغرب لاحظ أن الصين التي تستورد 11% من نفطها من إيران خففت خلال الشهرين الماضيين من الكمية، لكن ليس معروفا ما إذا كانت الصين تريد أن تنوع مصادر نفطها أو تحاول الحصول على النفط الإيراني بشروط أفضل.
هذه الإغراءات الإيرانية تخفي أنشطة سرية إيرانية في الصين بسبب مخاوف طهران من سياسة بكين المزدوجة، فالأخيرة تمارس نفوذها لتقليل الضغط على إيران، بسبب مصالحها الخاصة، لكن في النهاية تذعن لقرارات مجلس الأمن لأنها لا ترغب في استفزاز الأعضاء الآخرين.
والصين كانت من أسباب خلافات الرئيس محمود أحمدي نجاد ووزير الاستخبارات حجة الإسلام حيدر مصلحي الذي انتقد الطريقة التي يتم فيها تجنيد عملاء في الشرق الأقصى، فمالت كفة المرشد الأعلى لصالح مصلحي.
منذ أشهر يشرف مصلحي على مهمة «بعثة» في الصين، تضم عملاء صينيين بدأوا العمل مع النظام الإيراني منذ بداية العام الماضي، ويزودون طهران بمعلومات استخباراتية هامة. الهدف البعيد لإيران هو «فرض» تحول في المواقف الصينية ومواكبة كيفية تحديد الصين لعلاقاتها مع الدول «المعتدية المتعجرفة» (الدول الغربية وعلى الأخص الولايات المتحدة الأميركية)، في ما يتعلق بالمواجهة النووية مع إيران.
تجنيد العملاء ضربة ناجحة تحسب لإيران، لأن المجندين الصينيين يتمتعون بامتياز الوصول إلى المصادر التي تريد إيران استغلالها. وهذا النشاط السري تقوم به إيران بشكل منفصل عن علاقاتها الدبلوماسية مع الصين، إلى درجة أن وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي زار بكين بعدما بدأ هذا النشاط.
الكثير من العملاء الصينيين الذين تستخدمهم إيران هم دبلوماسيون أو عاملون في الحكومة في بكين، والمطلوب منهم تزويد إيران بالمواقف السياسية المفصلة عن القضايا المقبلة المتوقع مناقشتها في مجلس الأمن، بما في ذلك العقوبات الجديدة التي فرضتها أميركا وبريطانيا، فضلا عن الخطوات المقبلة التي ستتخذها الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ليس من الواضح على أي أساس وافق موظفو الحكومة الصينيون على تسريب معلومات، وما الذي دفعهم إلى تصديق محاوريهم. الضباط الإيرانيون المكلفون الاتصال بالعملاء الصينيين يستخدمون أسماء مستعارة ويتظاهرون بأنهم رجال أعمال من دول أخرى.
ويبدو أن الصينيين المعنيين لا يدركون أنهم يساعدون بشكل مباشر النظام الإيراني. في الأسابيع الأخيرة كانوا يحدثون معلومات الإيرانيين عن الجهود الغربية التي تبذل لإقناع الدول المستوردة للنفط بخفض التجارة مع إيران.
التكليف بهذه المهمة صدر عن آية الله علي خامنئي الذي طلب من وزارة الاستخبارات اتخاذ خطوات حثيثة لتجنيد – سرا – ناطقين بلغة الماندرين الصينية، وتقرر استخدام الوزارة لتشكيل مشروع سري اقتصادي بين إيران والصين. ولهذا فهي تقوم بتجنيد رجال أعمال صينيين مرتبطين بشركات تجارية وهمية، تشرف عليها عن كثب وزارة الاستخبارات الإيرانية، وذلك للتهرب من المراقبة الدولية لأعمالهم. وتجري محاولات لرشوة مسؤولين كبار في حقل التجارة الصينية وفي النظام المصرفي للحصول على امتيازات ضد منافسين يسعون للفوز بصفقات مربحة، لا سيما في قطاع الطاقة.
مكتب مرشد الثورة أكد على ضرورة أن تبقى الخطط سرية خوفا من التداعيات، إذا ما اكتشف الصينيون ذلك، التي قد تكون عسيرة. ويركز خامنئي على أهمية العلاقات الاقتصادية الصينية مع إيران (إيران واحدة من الموردين الرئيسيين للنفط الخام إلى الصين)، على الرغم من أن مستشاره للشؤون الخارجية علي أكبر ولايتي قال إن العلاقات مضمونة: «الصين تعتمد على إيران. إنها شراكة مفيدة لهم أيضا»، وأضاف ولايتي: «يمكن للمسؤولين الإيرانيين أن يوسعوا نفوذهم على الصين من حيث أهمية إيران للاقتصاد الصيني».
لوحظ بعض المعارضة للخطة في وزارة الاستخبارات نفسها، بسبب القلق من التداعيات السياسية إذا ما انكشفت الخطة. وكانت وزارة الاستخبارات أجبرت على تكثيف إجراءات المراقبة المضادة بعدما اعترض كوماندوز تابع للبحرية الهندية سفينة تجارية (نفيس -1)، تحمل العلم الإيراني، دخلت المياه الإقليمية الهندية في 14 أغسطس (آب) 2011، وكان ثمانية من طاقم تلك السفينة من الدول الأفريقية وبعض المعدات عليها مصدرها الشرق الأقصى. ومنذ ذلك الحادث تبذل وزارة مصلحي جهودا يائسة لمنع تعقب أنشطتها. وعلى الرغم من هذه النكسة فإن «البعثة» في الصين لا تزال نشطة، ويرجع ذلك في الأساس إلى أن مصلحي وولايتي وغيرهما القريبين من خامنئي يعتبرون أن التجنيد يخدم غرضا هاما، يرونه وسيلة لتقدم البرامج الإيرانية النووية وصواريخ أرض – أرض، بالإضافة إلى المعلومات والمواد الحساسة التي تم الحصول عليها من كوريا الشمالية، والتي يجري تطويرها في إيران.
المعلومات الجديدة التي حصلت عليها إيران عبر هؤلاء المجندين حساسة للغاية، تحتوي على تفاصيل عن 60 موردا صينيا محتملا للمعدات ذات الاستخدام المزدوج (بعضها تنتجها شركات يابانية)، والمواد الخام التي تسعى إيران للحصول عليها. وبين هذه المواد وجدت الاستخبارات الإيرانية وسيلة للحصول، من خلال هذه القناة الجديدة، على ألياف كربون عالية الجودة التي تحتاج إليها إيران لبناء أجهزة طرد مركزي أكثر تقدما من تلك التي تم تثبيتها في منشأة ناتانز جنوب طهران. أما السلع الأخرى فتشمل نوعا خاصا من النفط والمعادن اللازمة لهذه المشاريع، ومعدات الحاسب الآلي الذي تصنعه الشركة الصينية «إس إم تي سي إل» (تجري معاملات وصفقات ما بين هذه الشركة والشركات القابضة التي أقامتها الحكومة الإيرانية من أجل شراء المعدات ذات التحكم العددي لإنتاج مكونات الصواريخ الأساسية).
ولاحظ مصلحي أن سلسلة التزويد الجديدة هذه سوف تزيد بشكل ملحوظ من قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم في موقع ناتانز والمواقع النووية الرئيسية الأخرى في إيران. كما وفرت المعلومات جردة بمخزون الشركات الصينية المدرجة، بحيث تستطيع الاستخبارات الإيرانية مقارنتها بقوائم الشركات المدرجة على اللوائح العالمية، التي تحدد المواد التي يمكن لإيران استيرادها. وهذا يتيح لإيران تجاوز العقوبات التي فرضتها الصين وشركاؤها الدوليون.
نتيجة لنجاح «بعثة» مصلحي في الصين، منح خامنئي مبلغ 80 مليون ريال (55.7 مليون دولار) إضافيا لوزارة الاستخبارات، على أن يوضع في صندوق خاص لتسويق المصالح الإيرانية في الصين لعام (2011 – 2012). وقد استعمل جزء من المبلغ في استثمار «المصادر البشرية» في الصين، مع التركيز على تدريب ضباط إيرانيين في طهران على اللغة الصينية لتمكينهم من العمل بكفاءة مع الوثائق التي تصل إليهم سرا من… الصين.
البازار الإيراني التجسسي والعسكري على أشده، أما الحياة المعيشية للشعب الإيراني فإنها على موعد مع فصل الانتخابات
  

السابق
خطاب الأسد: إمّا تسوية تُطبخ.. وإمّا نظام قويّ
التالي
الجامعة العربية والوقوع في الفخ!