التكيف..هل يبقى بارداً؟

يذهب رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط في مواقفه المتدرجة في تأييد الثورة السورية، أبعد مما بلغه أقطاب قوى 14 آذار أنفسهم وفي مقدمهم الرئيس سعد الحريري. ومع ذلك لا يوفر هذا التموضع المتطور للزعيم الدرزي أي فرصة واقعية لقوى المعارضة في الرهان على خروجه من الحكومة أو حتى مماشاة المعارضة في نزع الثقة النيابية مثلاً عن وزير الدفاع فايز غصن لمحاسبته عن موقفه من مسألة القاعدة.

وفي المقابل، مضي الحكومة في مراوحة مديدة حيال مجموعة ملفات ملحّة، فتغرق في عجز عن مواجهة ملف الأجور، وفي قصور عن إقرار الموازنة، وفي استنساخ لأنماط الحكومات السابقة في صرف سلفات الخزينة والإنفاق من خارج القاعدة الاثني عشرية، وفي التخبط المتواصل في ملف التعيينات، وفي سلسلة لا تنتهي من اللغو المتفاقم للكلام حول الكيمياء المفقودة بين مكوناتها، مع أنها ترتع في لحظة سياسية "ذهبية" لا يشاطرها فيها أي منافس في غياب أي طرف معارض عن مكوناتها.
مفاد هذه المعادلة أن الوضع الداخلي المحكوم بالانتظار الطويل لمآل الأزمة السورية تحديداً يبدو كأنه توغل مع مطالع السنة الجديدة في استنقاع لا قدرة معه لأي فريق، مهما زينت له طموحاته ورهاناته، ان يحدث أي تغيير راهن في هذا الوضع. على أن الأهم من ذلك هو ما يرفض فريقا النزاع اللبناني الاعتراف به علناً فيما تستبطنه كل يوميات السياسة الداخلية، ويتمثل في تكيف المصالح الواقعية للفريقين مع مرحلة الانتظار هذه.

ذلك ان السمة البارزة للمسيرة الحكومية باتت تختصر في ذروة طموحات افرقائها بابقاء الستاتيكو الحالي وتمديده ما أمكن ما دام هذا الواقع كفيلاً بإقصاء قوى 14 آذار عن السلطة.
وليس في السياسات "الواقعية" التي ينتهجها "حزب الله" على نحو لافت حيال معظم التوجهات التي يتولاها الرئيس نجيب ميقاتي شخصياً سوى الاثبات القاطع على هذا المنحى. حتى أن الحزب يبدو بموازاة حلفائه الفريق الأكثر "ترصناً" و"تعقلناً"، ولعله، على رغم مواقفه الراديكالية من مسائل عدة، ساهم ويساهم بقوة في جرّ الحلفاء "الحارين" الى نهج البرودة والتكيف الطويل.
وفي المقابل، لا تبدو المعارضة مستعجلة تسديد أي ضربة قاصمة للحكومة، مع افتراض قدرتها على توجيه مثل هذه الضربة. بل ان سياسة المعارضة، أن أمكن استشرافها من مجموعة الوقائع التي حفلت بها الأشهر الأخيرة، تميل الى ترك الحكومة تغرق في ذاتيات معاركها الداخلية ومراكمة نقاط الضعف.
هي معادلة سلبية بطبيعة الحال ولكنها في المقابل أشبه بالثمن الواقعي الأقل سوءاً اذا ما قيس بكلفة أمنية انهيارية مثلاً. فأن يفتدى الاستقرار الأمني بتكيف سياسي سلبي هو ذروة الطموح في واقع لبنان الذي لا يزال كثر يتساءلون بدهشة كيف لم يضربه الزلزال بعد، إلا إذا كنا على مشارف شيء ما لم نألفه في تاريخنا؟
  

السابق
الجمهورية: واشنطن تقرأ في خطاب الاسد قطعا لخطوط العودة ومزيدا من التأزم
التالي
بيان الجامعة العربية الأعوج؟