البِيض: المبادرة الخليجية لا تعنينا

بوصفها عاصمة الحرّيات والديموقراطية في العالم العربي، اختار الرئيس السابق لجمهورية اليمن الجنوبي علي سالم البِيض بيروت، ليجدّد إطلاق صرخة مدوّية من أعماقه، تعبّر عن ثورة أبناء الجنوب على معاناتهم منذ «اجتياحه» عام 1994 على يد قوّات رئيس الجمهورية اليمنية علي عبدالله صالح.

فقد أكّد البِيض، خلال مؤتمر صحافي عقده في مقرّ نقابة الصحافة، أنّ الثورة انطلقت أولى شرارتها في العام 2007، مشيراً إلى أنّه: "إذا كان عام 2011 سيُخَلَّد في ذاكرة التاريخ كموعد لبدء الربيع العربي، فإنّ عام 2007 شكّلَ في حقيقة الأمر عاما استثنائيا لنا في الجنوب، لأنّ منتصفه شهد انطلاقة ثورة الجنوب السلمية أو ما عرف بـ "الحراك الجنوبي السلمي". وأوضح "أنّ ربيعنا نحو الحرّية والاستقلال كان سبّاقا وملهما للمزاج العربي العام، الذي تفاعل في ثوراته مطلع العام الماضي". وأضاف: "إذا كانت هذه المعلومة جديدة بالنسبة لكم كإعلاميين، فذلك تأكيد واقعي على حجم ما تعرّض له شعب الجنوب من تهميش وتعتيم وتجاهل إعلامي وسياسي متعمّد على المستويين العربي والدولي".

واعتبر الرئيس السابق لجمهورية اليمن الجنوبي أنّ فهم "قضية الجنوب" يعتمد على التعرّف الى "جوهر القضية، كونها قضية شعب وارض وقع تحت احتلال همجي متخلّف، تلك القضية التي خرج شعبنا لأجلها في عموم الجنوب يطالب بالتحرير والاستقلال من الاحتلال الجاثم منذ اجتياح قوّات الجمهورية العربية اليمنية لدولة الجنوب، "جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية" في صيف عام 1994".
 وبناء على ذلك، قال البِيض: "إنّ شعب الجنوب قد حدّد خياره في شكل قاطع وواضح لا رجعة فيه، وهو خيار الحرّية والاستقلال واستعادة الدولة كاملة السيادة، وسوف يمضي قدما في مسيرته مهما كلّفه الأمر من تضحيات جسيمة"، معتبرا أنّ "أيّ تجاهل أو قفز على قضية شعب الجنوب وفقا لأيّ مشاريع او تسويات سياسية لا تأخذ في عين الاعتبار جوهر قضية الجنوب كما عبّر عنها شعبنا، يُعتبر من وجهة نظرنا تسويات مرفوضة، ومحكوم عليها بالفشل الذريع، وسوف يعتبرها شعبنا جزءا من ممارسة القوّة وفرض سياسة الأمر الواقع عليه".

وانطلاقا من ذلك، شدّد البِيض على أنّ المبادرة الخليجية لتسوية الأزمة اليمنية "لا تعنيهم"، وهي تتعلّق بالخلاف الدائر في الجمهورية العربية اليمنية بين أطراف الصراع على السلطة، مضيفا: "نحن نبحث عن وطن مسلوب".

ووسط انقسام الحراك الجنوبي إلى فصيلين، الأول يطالب بـ "فكّ الارتباط" مع دولة الوحدة، ويتزعّمه البِيض، بينما يدعو الثاني إلى إقامة نظام فيدرالي في إطار الوحدة، ويقوده الرئيس اليمني الأسبق علي ناصر المحمد ورئيس الوزراء الأسبق حيدر أبو بكر العطاس، شرح البِيض لـنا أسباب رفضه لخيار الفيدرالية. وقال: "في 30 تشرين الثاني من العام الماضي، وبعد أسبوع من انعقاد المؤتمر الجنوبي في القاهرة، مثّل خروج أهالي الجنوب استفتاء على رفضهم لخيار الفيدرالية". وأضاف: "اذهبوا إلى عدن واسألوا الجنوبيّين عمّ يريدون. أهالي الجنوب لا يريدون الفيدرالية"، مشيرا إلى أنّ مؤتمر "التصالح والتسامح" الذي سيعقد في المحافظات اليمنية الجنوبية في 13 كانون الأول المقبل، سيكون بمثابة ردّ مدوٍّ على رفضهم لخيار الفيدرالية.

وذكّر بأنّه في العام 1990، وقّع اتفاقية الوحدة بين شمال اليمن وجنوبه عام 1990 مع صالح ليقتسما السلطة. وعاشت الجمهورية اليمنية أزمة حادة بعد أربعة أعوام من تحقيق الوحدة، بسبب خلافات بين شركاء الوحدة. وقال: "نحن من صنع الوحدة، تنازلنا من اجل حلم، لكنّهم دفنوه".

                                                                                                    

وفي شباط 1994، وقّع البِيض وصالح وثيقة "العهد والاتفاق" برعاية ملك الأردن الراحل حسين بن طلال في عمان، ليعود صالح وينقلب على ما وقّع عليه واصفا إياها بـ "وثيقة الخيانة"، ومن ثمّ شنّ حربا عسكرية ضدّ الحزب "الاشتراكي اليمني" – شريك الوحدة – وأقصاه من الحياة السياسية بالسيطرة عسكريا على كل الجنوب، ضاربا بعرض الحائط قرارين دوليين أصدرهما مجلس الأمن الدولي، ودعا فيهما الأطراف المتحاربين في الجمهورية اليمنية (الجنوب والشمال) إلى الحوار وعدم الاحتكام للسلاح.

وتابع البِيض: "نتمسّك بالاستقلال بعد أن اعترف صالح بنفسه انه احتلّ جنوب اليمن. هم ينظرون الى الجنوب بذهنية انه فرع ينبغي أن يعود إلى الأصل. ونحن نقول لهم، للجنوب هويّته وثقافته".

وفيما خصّ الانتخابات الرئاسية المزمع اجراؤها في شهر شباط المقبل، قال: "إنّ شعبنا الجنوبي في مدنه وأريافه، اعلن رفضه لها… وأنا على يقين أنّ شعبنا الجنوبي لديه القدرة على رفض قيامها لأنّها تعبّر عن تكريس الوضع القائم ومحاولة شرعنة الاحتلال الجاثم على صدر شعبنا".

وعن صعوبة مقاطعة المحافظات الجنوبية لها في ظلّ وجود شخصيات جنوبية بارزة في هرم السلطة كنائب الرئيس اليمني عبد ربه هادي منصور ورئيس حكومة الوفاق الوطني محمد باسندوة، قال البِيض لـنا: "إنّ وجود شخصيات جنوبية في هرم السلطة لن يقنع الجنوبيين بالمشاركة، وليس كلّ من كان من الجنوب يمثّل الجنوبيين".

ونفى وجود أيّ دعم دولي للحراك الجنوبي، وقال: "يقتصر الدعم الذي نتلقّاه من المغتربين اليمنيين في المهجر، الذين يتوقون للعودة إلى أرض الوطن"، مناشدا مختلف الدول الشقيقة والصديقة في شكل عام، والمملكة العربية السعودية في شكل خاص، "أن تتفهّم قضيتنا وتتعاون معنا في إيجاد المخرج المرضي لنا في الجمهورية العربية اليمنية، بما يؤدي إلى حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة، ونحن نمدّ ايدينا إلى الجميع من دون استثناء".

وطلب إلى كلّ وسائل الإعلام العربية والعالمية كسر حاجز التعتيم الإعلامي المفروض على ما يجري لشعب الجنوب، ونقل حقيقة ما يجري على الأرض الجنوبية المحتلّة من ظلم وقهر لأبنائها منذ اجتياحه عام 1994، وتسليط الضوء على النضالات التي اجترحها شعبنا منذ بدأ حراكه عام 2007، وتقديمه عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمعتقلين.

وختم البِيض متسلّحا "بقوّة الحقّ" على حدّ تعبيره، قائلا: "نحاول أن نكون صدى لما يدور في الشارع الجنوبي، ونسير على طريق الاستقلال". 

السابق
طهران تتهم اسرائيل بالوقوف وراء اغتيال العالم الايراني
التالي
انقلاب شاحنة لليونيفيل على طريق وادي السلوقي