مهمة المراقبين في سوريا بين الإشتباك والتعاون الجزئي

بدا المشهد الداخلي حافلاً أمس، وسط زحمة عناوين، بدءاً بدخول ملف تنظيم "القاعدة" إلى مجلس النواب حيث "لحس" وزير الدفاع فايز غصن ما قاله عن عرسال، وصولاً الى ملف الأجور الذي ما زال يراوح مكانه بفعل "عنتريات" الوزير شربل نحاس، مروراً بأجواء زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون التي يرفضها "حزب الله"، وليس انتهاءً بمواقف من قانون الإنتخاب، أبرزها لرئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي نعى قانون الـ 60 .

قال مصدر في المعارضة السورية ان زعماء المعارضة المجتمعين في اسطنبول انتخبوا برهان غليون مجدداً رئيساً لـ"المجلس الوطني السوري" المعارض. وأضاف: "مددت فترة الأشهر الثلاثة التي تولي فيها غليون المنصب لشهر آخر ريثما يتم التوصل الى آلية افضل لانتخاب رئيس المجلس".

وقد بدأت عمليّة فكّ الاشتباك حول مهمّة المراقبين العرب، إلّا أنّ "القنّاصة الخوارج" لا زالوا يدفعون بالوضع خارج حدود السيطرة، ولا زال النقاش يدور حول طبيعة دورهم، يريدهم المحور العربي – الأميركي – الفرنسي – الدولي أداة لإسقاط النظام، ورافعة لتعزيز دور المعارضة، فيما يريدهم المحور المقابل بزعامة روسيا وفق ما نصّ عليه البروتوكول المبرم، للمساعدة على استقرار الشارع وإعادته الى هدوئه  المبادرة العربيّة ستبقى المسار الذي يجب اتّباعه، وخارطة الطريق التي لا بدّ منها حتى إشعار آخر، لأنّها حاجة ملحّة للجميع، إنّها حاجة للغرب الأميركي – الفرنسي – الدولي لابتزاز أمرائها النفطيّين  ما حصل في حيّ الميدان إنّما هو رسالة دامية برسم أكثر من طرف عربيّ وإقليمي ودولي، وعنوانها واضح لا غبار عليه: إمّا تسوية تحت سقف النظام، أو حرب أهليّة. إمّا سوريا موحّدة وفي إطار إصلاحات مقبولة من النظام، أو لا سوريا لأحد؟!.

إلا أن الواقع ان مراقبين كثراً لمسوا لهجة اكثر مراعاة للنظام السوري لجهة تسجيل تعاونه جزئيا مع المراقبين وعدم اقتران اخلاله بتنفيذ المبادرة العربية بلهجة اقسى. هذا الامر اثار احباطا الى حد ما، كما اثار وتساؤلات عما اذا كان من تعديلات طرأت على عمل اللجنة ام تدخلات خارجية ام هي نتيجة الانقسامات الموجودة بين الدول العربية حول ضرورة ابقاء الازمة السورية في يد العرب او تدويلها او غياب الافق لأي تحرك دولي حتى الان. وبحسب مصادر ديبلوماسية مراقبة فان الامر قد لا يكون في نهاية الامر اكثر من واقع ان التقديرات التي سبقت وصول المراقبين الى الاراضي السورية لم تصح كليا. اذ انه كان يرتقب ان يساهم وصول هؤلاء المراقبين ايا كان عددهم في افادة المعارضة والشعب السوري من وجودهم من اجل ان يعبروا عن رفضهم للنظام بكثافة وقوة على رغم المخاطر الموجودة على الارض. لكن هذا الامر لم يحصل وفقا لما كان متوقعا على رغم استمرار وتيرة التظاهرات اليومية وسقوط عدد كبير من الضحايا يوميا كما كان يحصل قبل وصول المراقبين.

 

 إلا أن  البيان الختامي للجنة العربية أن النظام السوري وحده مسؤول عن العنف، بل أعلنت رسمياً أن هناك اطرافاً أُخرى تمارس هذا العنف وهي مدعوة مع النظام الى وقفه. كذلك لم يتهم هذا البيان المبني أساساً على تقرير رئيس بعثة المراقبين الفريق محمد الدابي النظام السوري وحده بأنه ساهم في عرقلة مهمة اللجنة، بل إتهم المعارضة ايضاً.. ولكن الخيبة الكبرى كانت في امتناع أربعة وزراء خارجية عرب عن حضور إجتماع القاهرة كانوا يهرولون في السابق الى حضور إجتماعات اللجنة العربية.. وفي هذا السياق تقول أوساط مطلعة أن رئيس الوزراء القطري قد أمضى ليلة السبت كلها يحاول الضغط على زملائه الوزراء للحضور، وكان لافتاً خصوصاً غياب وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل عن الإجتماع..رأت الأوساط المطلعة في هذا التراجع التدريجي في موقف اللجنة العربية تجاه دمشق والتخلي عن لغة المُهل والإنذارات ما يؤكد وجود جهود جادة لإنجاز تسوية دولية (روسية – اميركية) وإقليمية (سعودية ـ إيرانية – تركية) من أجل إخراج دمشق من المسلسل الدموي الذي دخل بعد التفجير الأخير في "حي الميدان" الدمشقي الجمعة الفائت، مرحلة جديدة وخطيرة.

 وما جرى في اجتماع القاهرة هو تعبير أولي عن جدية الجامعة في التعاطي مع مهمة طارئة تستمد مصداقيتها الوحيدة حتى الآن من كونها تتعرض لانتقادات من السلطة ومن المعارضة في آن معاً.. ما انجز حتى الآن كان متواضعاً جداً بالقياس الى تفاقم الازمة، لكنه كان كافياً للمضي قدماً نحو تحقيق هذا الهدف.. المهمة لا تزال في بدايتها، وهي في حدود فض الاشتباك، لكن مغزاها الرئيسي انها تعرض على جميع فرقاء الأزمة في سوريا فرصة الإمساك بيدهم وقيادتهم نحو العثور على مخرج سياسي ملائم بأقل قدر ممكن من الخسائر والأضرار.. التقييم الاولي أوحى بأن المهمة العربية قابلة للتعديل والتطوير، طالما ان أحداً في الداخل او الخارج لا يملك عصاً سحرية سياسية او عسكرية بديلة. المراقبة يمكن أن تصبح في المستقبل القريب عملية رادعة، طالما ان القاسم المشترك الوحيد بين النظام والشارع والمعارضة بشقيها هو عدم التعامل مع الدور العربي باعتباره تدخلاً خارجياً، لا سيما أن التدخل الأجنبي غير وارد على الإطلاق ولا جدوى من الاختلاف حوله او المزايدة فيه..الردع العربي لم يعد خارج التصور.. لأن الحل السياسي ما زال خارج التأمل.

السابق
الاعلام التلفزيوني كعقربٍ ثوريٍّ سام
التالي
تنقيب عن النفط