النظام السوري…وعقدة الأميركي!

بعد الانفجار الأخير الذي كانت مسرحه دمشق والذي لا يستبعد ان يكون النظام وراءه، يبدو مشروعا التساؤل ما المطلوب من المراقبين العرب كي يكون النظام راضيا عليهم؟ يبدو ان مهمة المراقبين، أقلّه من وجهة النظام، يجب ان تقتصر على تغطية عمليات القتل والتنكيل التي تستهدف ابناء الشعب السوري وضمان استمرارها بدل السعي الى وضع حدّ لها في اقصى سرعة.
انها وقاحة ليس بعدها وقاحة ان ينتقد النظام السوري كلّ من يحاول تحديد مهمة المراقبين العرب بشكل واضح حتى يتمكن هؤلاء من تأدية المهمة المطلوبة منهم من جهة وان تكون هذه المهمة في خدمة الشعب السوري من جهة اخرى. الآن صار الموقف الاميركي من المراقبين العرب تدخّلا في الشؤون العربية و«اساءة» الى جامعة الدول العربية.
في الماضي القريب، كان التدخل الأميركي الهادف الى ضمان دخول القوات السورية الى لبنان موضع ترحيب ليس بعده ترحيب في دمشق… ما دام الهدف وضع اليد على الوطن الصغير ووضعه تحت الوصاية وارتكاب المجازر من دون حسيب او رقيب!
فجأة، صار هناك حرص سوري على جامعة الدول العربية، بعدما اقدمت تلك الجامعة على خطوة خجولة جدا في اتجاه التخفيف من القمع الذي يتعرّض له شعب بكامله يحاول استعادة حريته وكرامته بعدما سعى نظام عمره نحو نصف قرن الى الغائه من الوجود لا اكثر ولا اقلّ.
للمرة الأولى منذ فترة طويلة تقوم جامعة الدول العربية بعمل مفيد. ولأنّ هناك خوفا مشروعا من ان تتمكّن السلطات السورية من استغلال المراقبين بهدف كسب الوقت ليس الا، جاء التدخل الاميركي والفرنسي. يستهدف هذا التدخل المبرر منع التلاعب بالمراقبين وابقاء مهمتهم ضمن حدود واضحة المعالم تصبّ في نهاية المطاف في خدمة الشعب السوري وثورته المجيدة.لا عيب في امتداح الاميركيين والفرنسيين عندما يقدمون على خطوة في الاتجاه الصحيح تدعم الشعب السوري وتسهم في حمايته من الظلم والاذلال اللذين يتعرّض لهما. العيب في ان تكون هناك لدى اي عربي عقدة الاميركي والفرنسي والسكوت عن دعمهما للظلم وتوفيرهما غطاء لعملية ابادة لشعب بكامله، تماما كما حصل في الماضي في لبنان بدءا بطرابلس وصولا الى صيدا مرورا بالجبل والقرى النائية القريبة من الحدود السورية كالقاع مثلا.
في تاريخ لم يمرّ عليه الزمن بعد، استخدم النظام السوري العامل الفلسطيني لضرب الصيغة اللبنانية. منذ ما قبل العام 1970، عندما استطاع الجيش العربي (الاسم الرسمي للجيش الاردني) منع المسلحين الفلسطينيين من تدمير المملكة ومؤسساتها، لم يكن لدى النظام السوري من همّ سوى ارسال مسلحين فلسطينيين الى الاراضي اللبنانية. كان الرئيس حافظ الاسد لايزال وقتذاك وزيرا للدفاع، لكنّ ارسال الاسلحة والمسلحين الى الاراضي اللبنانية كان مرتبطا به مباشرة. هل كان ذلك عملا مشروعا لأنّ الفرنسيين والاوروبيين والاميركيين وفّروا له الغطاء المطلوب للقيام بعمل يسهم في تقويض مؤسسات الدولة اللبنانية وزرع بذور الفتنة في الوطن الصغير، فضلا بالطبع عن ادخال القضية الفلسطينية في متاهات كان مطلوبا من المسؤولين الفلسطينيين البقاء بعيدين عنها؟
الأكيد ان النظام السوري لا يريد ان يتذكّر كيف ان الأميركيين امّنوا له الدخول عسكريا الى الاراضي اللبنانية وقمع اللبنانيين والفلسطينيين في آن بهدف السيطرة على البلد. حدث ذلك بحجة ان المطلوب أميركيا استيعاب الازمة الداخلية في لبنان ومنع تحولها الى ازمة اقليمية. لم يجد هنري كيسينجر وقتذاك من مخرج سوى تكليف القوات السورية «وضع اليد على مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان». والتعبير، الموضوع بين مزدوجين، هو التعبير الرسمي الذي وضعه وزير الخارجية الاميركي لتبرير تسهيل الدخول العسكري السوري الى لبنان ولاقناع اسرائيل بفائدة!

الأكيد أيضا ان النظام السوري يريد أن ينسى، او أن يتناسى، ان وزير الخارجية الأميركي في العام 1976، لعب الدور الأساسي في تأمين ضوء أخضر اسرائيلي للدخول العسكري السوري إلى لبنان بغطاء من جامعة الدول العربية. يفترض في من لديه ذاكرة ألا ينسى ان السوريين دخلوا في البداية تحت غطاء عربي اسمه «قوات الردع العربية».
ما دام الأمر متعلّقا بلبنان وقتل اللبنانيين مسيحيين ومسلمين وتهجير اكبر عدد منهم من بلدهم، فان الغطاء الاميركي موضع قبول وترحيب. تماما مثلما انه مقبول ان تلعب ايران دور الشريك الفعلي في الحرب الأميركية على العراق، من دون ان تتجرّأ جامعة الدول العربية على ان تنبس ببنت شفة. بالطبع، لم يكن مطلوبا من العرب دعم نظام صدّام حسين العائلي- البعثي الذي لم يجلب الى العراق والعراقيين سوى المصائب والويلات، لكنّه كان عليهم أيضا تسمية الأشياء بأسمائها والتحسّب للنتائج التي ستترتب على المشاركة الإيرانية، بوجهها المتعدد، في الحرب على العراق.
أخيرا جاء وقت لم يعد العرب قادرين على السكوت. لم يعد المجتمع الدولي قادرا على التفرّج على المجزرة التي يتعرّض لها شعب أعزل يتعرّض للالغاء. ليس مطلوبا من العرب الاكتفاء بارسال مراقبين الى المدن والبلدات السورية فحسب، بل من المستحسن ايضا ان يرحبوا بكل مبادرة ايجابية تصدر عن الولايات المتحدة او فرنسا او تركيا.
أين العيب في قول كلمة حق عندما تقدم أميركا اوروبا على عمل جيّد؟ أوليست الولايات المتحدة التي وضعت حدا للعدوان الثلاثي على مصر في العام 1956؟ أوليست الولايات المتحدة، في عهد ادارة بيل كلينتون، التي أوقفت المجازر التي تعرّض لها المسلمون في البلقان قبل سنوات قليلة؟ لماذا لدى العرب عقدة الأميركي والأوروبي بغض النظر عن الموقف المتخذ منهما من هذه القضية او تلك؟ أوليست الولايات المتحدة التي لعبت دورا حاسما في العام 1990 من أجل تحرير الكويت من الاحتلال العراقي بعد تشكيل تحالف دولي أخرج صدّام وقواته من هذا البلد العربي المسالم واعاده الى اهله في 1991؟  

السابق
الاسد: لا يوجد اي امر على اي مستوى لاطلاق النار على المحتجين
التالي
وديع الخازن: نؤيد صرخات الراعي لإنقاذ لبنان من الغرق