العرب واستثمار الدم السوري: الشعب لن يقبل

لم يزل الشعب السوري يفاجىء العالم بهذا الاصرار على التغيير ونيل حريته. يتقدم الجميع ويباغتهم بالتشبث بتحقيق هذاالهدف الذي حدده مهما كلف من شهداء، في حراك مستمر من دون كلل. حراك يمنع عن الجميع استثمار الدم الذي يسيل على طريق الخلاص من نظام الحزب الواحد والرجل الواحد والنظام
الامني الرابض على الشعب، والمتغول للدولة…المختصر للدولة بحساباته المدمرة للمجتمع.

ما يقدمه الثوار السوريين من امثولات تثبت للجميع حيوية الشعب السوري، وصدق سعيه المرير إلى نيل الحرية، واستحالة بقائه في اسر "نظام" فقد القدرة على تكبيل هذه الحيوية او قتلها. الأمر الذي ساهم على ما يبدو في اغراء المجتمع الدولي والعربي بلعبة المراهنة على ارادة الشعب السوري على تغيير النظام واسقاطه. هي لعبة المراهنات المتبادلة التي دفعت المتظاهرين، مع ازدياد وتيرة قتل للمدنيين من قبل النظام السوري وشبيحته، الى المطالبة بالتدويل. مطالبة مشروعة لم تلق الاستجابة المفترضة كما حصل في ليبيا، فقد اكتفى هذا "المجتمع" بما صدر من قرارات متفرقة اميركية واوروبية وعربية تندرج في اطار العقوبات المالية والاقتصادية، إلى جانب مراهنة دولية وعربية على الحراك الشعبي الذي اثبت قدرته على الاستمرار في استنزاف النظام الى حين سقوطه المحتوم، من دون استعجال سقوط النظام. مراهنة فتحت الباب امام انتهازية عربية ودولية على حساب الدم السوري.
اذ ليس للمراقب ولا لأي منصف الظنّ ان سقوط النظام السوري وانتقال سورية الى رحاب دولة ديمقراطية تحكمها التعددية السياسية هو محل ترحيب لدى الدول العربية، التي تتحسب من الربيع العربي وامتداده اليها لكنّها في المقابل لن تتجرّأ على إعلان الوقوف في وجه الارادة الحقيقية للشعب السوري، وبالتالي هي تمارس لعبة استثمار الدم السوري في تصفية حسابات اقليمية. فمعركة هزيمة ايران في سورية تتقدم على معركة خلاص النظام السوري من النظام الاستبدادي. وفي هذه الحال تنشط عمليات استثمار الدم السوري، وتبرز انتهازية اقليمية ودولية يكبح احلامها الشعب السوري الذي لم تهتز قناعته باسقاط النظام.

وخلاصة ما تضمنه خطاب الرئيس بشار الاسد امس، والمكرر في عباراته ومضمونه مع تجديد اعلانه الحرب على الشعب، تأكيد حقيقة وقوعه في أسر مأزقين لم يستطع تجاوزهما: الاول هو مأزق الاستمرار في ظل الوضع القائم المحيط به داخليا وخارجيا، والثاني هو مأزق عجزه عن تقديم اي تنازل اصلاحي حقيقي. وكلاهما يشير الى ان جذرية الصراع الجاري في سورية بين النظام والثوار تمنع حصول اختراقات متبادلة. فعلى جبهة النظام يبدو عاجزا عن تقديم أيّ تنازل حقيقي، لإدراكه ان التنازل عن جزء يسير من السلطة يعني نهايته، وعلى جبهة المعارضة تتمنّع عن تقديم تنازل لا نتيجة له سوى الغائها، ليس من قبل النظام فحسب بل من قبل الحراك الشعبي المتنامي الذي حسم امره وحدد هدفه.

اذا بين شعار "المجلس الوطني السوري" الداعي إلى التدويل وبين موقف الدول الكبرى الذي يجعل من مسألة اسقاط النظام مهمة الشعب السوري، وفي ظل انتهازية عربية عنوانها استثمار الدم السوري، يمكن الاشارة الى ان مراهنة "المجلس الوطني" على تدخل دولي، وان كانت مشروعة سياسيا واخلاقيا، إلا أنّها تنطوي على مبالغة في التوقعات المرجوّة من المجتمع الدولي.
وقد يكون موقف لجنة تنسيق المعارضة السورية واقعيا لناحية القول للشعب السوري ولسواه ان الخلاص من "النظام" مهمة داخلية. وفي ذلك حؤول دون سقوط المعارضة في وهم التدخل الدولي العسكري والمباشر. لذا لا يمكن للمجلس الوطني ان يستسلم لهذا الوهم ويغذّيه، بل يفترض ان يصارح الشعب والثوار السوريين بقدرهم التاريخي، ان يكونوا هم وحدهم من يصنع التغيير في واقعهم المظلم.
البعض يطمح ويسعى الى المغامرة عبر استثمار الدم السوري. المغامرة في تقديم معركة هزيمة ايران على معركة التغيير نحو الديمقراطية في سورية التي يسعى اليها اكثر من طرف اقليمي ودولي، او مغامرة الحكومة الانتقالية برعاية روسية كمحاولة لجذب جزء من المعارضة السورية او تشتيتها، الى مغامرة تراود بعض المعارضة في الالتحاق بالنظام تحت عنوان الحوار المسوّر بشروط النظام. لكنّ الحقيقة التي تحول دون نجاح هذه المغامرات هي ان الشعب السوري يثبت يوميا انه قادر على افشال اي من هذه المغامرات واظهار عجز اصحابها، أيّا كانوا، عربا او عجما.

 

السابق
النزول الى الشارع يزيد من ساعات التغذية بالكهرباء
التالي
السفير: الأسد يعترف بالأزمة الوطنية ويتمسّك بالحل الأمني ويهاجم الجامعة العربية