واشنطن قلقة على كامب ديفيد

لم يغالط المستر جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الامريكية الحقيقة عندما اكد انه لا يوجد شريك للولايات المتحدة في العالم العربي اهم من مصر، ولكن المهمة الصعبة التي تواجهها بلاده هي كيفية الحفاظ على هذا الحليف، ووفق اي معايير بعد نجاح الثورة الشعبية في ازالة حكم الرئيس حسني مبارك الديكتاتوري، الذي كان ينفذ التوجيهات الامريكية في المنطقة العربية دون نقاش.

فيلتمان الصديق الصدوق لاسرائيل لا يزور القاهرة من اجل تهنئة الشعب المصري بنجاح ثورته، وانما للاطمئنان على مصير اتفاقات كامب ديفيد واستمرار العلاقات الامنية المصرية ـ الاسرائيلية المنبثقة عنها، فأهمية مصر بالنسبة الى الولايات المتحدة مرتبطة بمدى التزامها بتنفيذ هذه الاتفاقات، والحفاظ عليها، والصمت على الحصار الاسرائيلي لقطاع غزة، والتغول الاستيطاني اليهودي في الضفة الغربية وباقي الاراضي العربية المحتلة. 
الولايات المتحدة الامريكية، مثل حليفتها اسرائيل، تعيش حالة من القلق هذه الايام، بعد تقدم الاسلاميين في الانتخابات البرلمانية التي ستعلن نتائجها النهائية في الايام المقبلة، فالاسلاميون يعارضون اتفاقات كامب ديفيد، ويريدون الغاءها، والمعتدل من بينهم يطالب بتعديلها وازالة البنود المهينة والمذلة منها التي تنتقص من السيادة المصرية في سيناء خاصة.
ولم يكن من قبيل الصدفة ان تقتحم قوات أمن مصرية مكاتب منظمات ليبرالية غير حكومية تتلقى دعما ماليا من الولايات المتحدة وتصادر وثائق ومستندات كانت موجودة داخلها في اطار سياستها الجديدة المتمثلة في منع حدوث اختراق امريكي للامن القومي المصري.

الادارة الامريكية ادانت هذه الاقتحامات بلهجة تنطوي على غضب شديد، ولكن الحكومة المصرية لم تعر مثل هذا الغضب الاهتمام المتوقع، وربما ارادت من خلال هذه الخطوة ايصال رسالة قوية الى واشنطن بأن الزمن الذي كان يعبث فيه وكلاؤها بالامن القومي المصري، ويتصرفون كدولة داخل الدولة قد ولى الى غير رجعة.
مصر تتغير وبسرعة، ولكن الادارة الامريكية لا تريد فهم او تفهم هذا التغيير، لانها تنظر الى علاقاتها مع مصر من المنظور الاسرائيلي، وما زالت تعيش في حقبة الرئيس الراحل محمد انور السادات وخليفته حسني مبارك.
السلطات المصرية الجديدة تستطيع ان تعيش بمعزل عن اذلال المساعدات العسكرية الامريكية التي يصل حجمها الى مليار وربع المليار سنويا، لان الاستفادة المصرية منها تظل محدودة للغاية، اي ان هذه المساعدات فقدت اهميتها كسيف مسلط على اعناق الشعب المصري وحكومته.

واذا ارادت الولايات المتحدة ان تحافظ على مصر كحليف مهم في المنطقة، فان عليها ان تغير ارتماءها في احضان اسرائيل، وغض النظر عن انتهاكاتها للشرعية الدولية وقوانينها بفرض الحصار على قطاع غزة، والتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية وتهويد القدس المحتلة، وتهديد المسجد الاقصى بالحفريات المتواصلة.
لا نعتقد ان الادارة الامريكية الحالية ستغير مواقفها الداعمة للغطرسة الاسرائيلية، وكل ما يتفرع عنها من جرائم، ولهذا فان ايامها القادمة في مصر لن تكون وردية على الاطلاق. 

السابق
الفرزلي: الحوار مهم للبحث في سبل النأي بلبنان عن الأجواء المحيطة
التالي
قنديل: ادعو جنبلاط إلى الاعتزال وسأل الحريري عن سبب عدوله عن العودة عن طريق مطار دمشق