مرارة فرنجية: تهميش معطيات غصن؟

بعد المؤتمر الصحافي الذي عقده قبل أيام، انهالت الاتصالات على رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، منوهة بجرأة أقواله وإحراجه الآخرين بذلك. لم يكن فرنجية في انتظار مثل هذا الكلام، وإن كان يقدره، بل هو راهن على ان تجد الكرة التي رماها في مؤتمره الصحافي من يتلقفها ويبادر الى وضع الامور في نصابها، ولكنه خسر الرهان، ولذلك يبدو حجم المرارة التي يشعر بها كبيرا جدا، ليس جراء الحملة ضده، بل لكونه لم يلمس لدى بعض المسؤولين الرسميين على اختلاف مستوياتهم السياسية وغير السياسية شعورا بالمسؤولية يوجب التعاطي ولو بالحد الادنى من الجدية والمسؤولية والوطنية مع موضوع خطير وحساس كموضوع تنظيم «القاعدة».

ولعل ما يبعث على مزيد من المرارة لدى فرنجية هو الاستمرار في سياسة الهروب من المسؤولية، والتي لولاها لما دخل مباشرة على هذا الخط ولترك الأمر لأصحاب الشأن، وهو يرى أن قمة الهروب من المسؤولية تجلت في عملية استفراد وزير الدفاع فايز غصن وجعله مكسر عصا، بالاضافة الى تهشيم ما قدمه من معطيات ليس من قبل قوى المعارضة بل من قبل جهات في الحكومة، وبرز في سياقها الكلام عن «الممر» و«المقر». بل ان هذا التهشيم وصل الى حد وضع وزير الدفاع في قفص الاتهام والمساءلة وكأنه مرتكب فيما هو تجرأ على كشف حقيقة موجودة في لبنان استنادا الى معلومات حساسة لها مرجعيتها الامنية تؤكد وجود حالات تسلل حقيقية لأفراد من تنظيم القاعدة من لبنان الى سوريا وعبر بلدة عرسال وليس من بلدة عرسال، وهذا ما تم عرضه بالتفصيل في اجتماع المجلس الاعلى للدفاع.

في مؤتمره الصحافي لم يقل فرنجية كلمته ومشى، فربما يكون له كلام آخر في وقت آخر تبعا لمجرى الامور ومسار الاحداث، خاصة أنه سدد «كرة القاعدة» في اتجاه رئيسي الجمهورية والحكومة وقائد الجيش، فثمة خطوات ينبغي أن تتخذ في هذا السياق لتصحيح الخلل الحاصل، ليس على قاعدة الاستمرار بسياسة النعامة وطمر الرؤوس في الرمال، أو اعتماد منطقين متناقضين، منطق يؤيد كلام وزير الدفاع ضمن الغرف المغلقة، ومنطق ينفيه أو يشكك فيه في العلن(!) بل على قاعدة التأكيد أمام الرأي العام اللبناني ان ما كشفه وزير الدفاع هو كلام حق يراد به حق وأمن واستقرار ووضع جميع المعنيين أمام مسؤولياتهم وليس كلاما قيل من باب إلقاء الكرة في ملعب طرف أو فئة أو طائفة أو مذهب أو منطقة أو بلدة كما يسعى الى تسويقه المتضررون، بدءًا من تيار المستقبل وصولا الى «حجاج» الكتائب والقوات الى بلدة عرسال!

يقولون في بنشعي ان فرنجية من خلال ما قاله في المؤتمر الصحافي عن وجود «قاعدة» في لبنان أراد التأكيد ان لغة التهرب من المسؤولية هي اللغة الأم لبعض المستويات السياسية، وتتجلى في كثير من المحطات بسياسة «النأي بالنفس»، التي يبدو جليا أن فرنجية قد نأى عنها، بكشفه طريقة تعاطي تلك المستويات، سواء مع موضوع خطير كموضوع القاعدة، أو مع مسألة النيل من الامن السوري انطلاقا من لبنان الذي حدد الطائف صراحة بألا يكون لا ممرا ولا مقرا لكل ما يخل أو يسيء الى هذا الامن، وهنا الحكومة اللبنانية مطالبة بالاجابة عن كثير من الاسئلة في هذا الاطار، سواء عما يقال عن تهريب سلاح أو أفراد أو غير ذلك.
على ان الهدف الاساس من خلال ما كشفه فرنجية، لم يكن تظهير منطق تيار المردة وقراءته لهذا الموضوع فحسب، بل كان تظهير منطق الدولة بكل معانيه، والذي يتجاوز حساسيات الطائفيين والفئويين والمناطقيين، فمنطق الدولة المسؤولة يرتكز على قاعدة وأساس ان حفظ الامن هو مسؤولية وطنية شاملة وليست مسؤولية خاصة، اذ ان الامن لا يمكن تسييسه أو تطييفه أو مذهبته أو منطـَقته، إلا ان ما هو غير مفهوم هو التهميش المتعمد لمعلومات تتمتع بمصداقية، حول أمور من شأنها ان تعرض الدولة ومؤسساتها وسيادتها وأمنها الى ما يهدد حاضرها ومستقبلها.

ويتمنى فرنجية لو ان معطيات غصن عوملت بجدية وتم التعاطي معها بالاسلوب المناسب لاجتراح العلاج اللازم، لكن ان تخفى تلك المعطيات أو تهمش مراعاة لحساسية مناطقية أو طائفية أو مذهبية فهذا أمر يعرّض كل البلد للخطر، فهل يخدم هذا التهميش لبنان وأمنه واستقراره؟ علما ان هذا التهميش مشابه لما عوملت به أيضا حالات أخرى بالغة الخطورة ارتبطت بنشاط وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية في لبنان («سي آي إيه»).
وقد يأتي من يقول ان التعمية على موضوع «القاعدة»، انطلقت من حرص على عدم إثارة أجواء قلق وذعر في صفوف اللبنانيين، وقد يكون التعتيم هنا مبررا، لكن ما هو غير مبرر هو قول البعض بضرورة التعتيم لكي لا تحصل بلبلة ضمن المذهب السني ولكي لا ينظر اليه على انه مذهب القاعدة، فهذا الكلام لا يستقيم مع الواقع أبدا، فهذه الفئة هي إحدى الافرازات خارج الاعتدال السني، والضرر ان وقع في هذا السياق، يلحق بالسنة كما بسائر الآخرين.  

السابق
مفتي صور يستقبل وفدا عسكريا من الوحدة الفرنسية في اليونفيل
التالي
بوكو حرام ليست المشكلة في نيجيريا