عاملات بمحطات للوقود بصيدا

وصلت «ثورة المساواة» بين الرجل والمرأة إلى مدينة صيدا من خلال فكرة جديدة لم يألفها المجتمع الصيداوي، ولكنّها تجسّدت اليوم في افتتاح مشروع جديد في منطقة الهلاليّة قادته المرأة لتكسر به حواجز الصمت وتزيل كلّ العوائق والقيود التي تعترض مساواتها بالرجل في شتّى مجالات العمل.

وهذه "الثورة" يجسّدها المشروع الجديد" queen market" و"queen station" ، حيث نجد في مبادرة هي الأولى من نوعها مجموعة من الفتيات الى جانبهن مجموعة من الشبّان يعملون في محطة للوقود وسوبّر ماركت، فيَقمن بالأعمال نفسها من دون تفريق أو تمييز.

وقد لاقى المشروع رواجاً وترحابا لدى كثير من أبناء المدينة وفاعليّاتها لأنّها أمّنت فرص عمل جديدة أمام الصيداويّين عموما والفتيات الصيداويّات خصوصا، وهو الأمر الذي يدل على المساواة بين الرجل والمرأة، بعدما اعتاد المجتمع على رؤية أيدٍ عاملة أجنبية في مثل هذه الوظائف باعتبار أنّ اللبناني لا يفضّل العمل في هذا المجال.

فكان لهذه المبادرة دور في إعطاء صورة معاكسة، وإثبات أنّ اللبناني "شغِّيل" بالدرجة الاولى، ولا يقف عند معوقات أيّ عمل مهما كان نوعه. كذلك أرادت المؤسّسة أن تؤكّد أنّ هذا المجال ليس حكراً على الرجال فقط، بل إنّ المرأة قادرة على دخوله بعزيمة ونجاح…

وهذه الفكرة بدأت الاوساط الصيداوية تتداولها بين مؤيّد ومعارض، غير أنّ عدداً من المؤسّسات الاقتصادية وجمعيّات المجتمع الاهلي شجّعوا الفكرة وأيّدوها وأملوا من المؤسّسات الأُخرى استكمال "مسيرة التحرّر"، واتّباع خطوات مكمّلة لفكرة هذا المشروع.

وقد جالت "الجمهورية" على المشروع والتقت مديره وسام عبد العال الذي قال: "إنّ المشروع لا يحمل أيّ جوانب سلبيّة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، بل هو مشروع ايجابيّ بكلّ جوانبه، إن لناحية فكرته المبتكرة التي ترسي قواعد المساواة بين الجنسين، أو لناحية خلق فرص عمل جديدة أمام الصيداويّين وتحسين المعيشة لعدد من العائلات، وكذلك حاجة منطقة الهلاليّة الى محطة للوقود".
 وعن عمل المرأة في محطة للوقود، قال عبد العال: "هي فكرة غريبة عن مجتمعنا، ولكنّها ليست نقيضة لعاداتنا وتقاليدنا، حيث إنّنا نرفع شعار أنّ العمل ليس حراما، المهمّ أن يكون شريفا، وليس عيبا أو حراما وجود المرأة في عمل يصون شرفها وكرامتها ويحترم شخصيتها. كما أنّ الشركة تفرض مجموعة من القواعد والقوانين تتعلق بالأداء في العمل وطريقة التعامل مع الزبائن واللباس الموحّد… وغيرها، وأُريد أن أشير الى أنّ محطتنا منذ افتتاحها وحتى اليوم لم تشهد أيّ ملاحظات أو أحداث غير مرضية على أرضها، على الرغم من توقّعات البعض أنّ هذه الظاهرة كونها غريبة ستعرّض الفتيات لمشكلات ومعاكسات الشبّان الخارجين على الأدب والاحترام، غير أنّ الواقع كان نقيض ذلك، وتقبّل المجتمع الصيداوي الفكرة على نحو فاق توقّعات جميع المشاركين في المشروع".

وعارض عبد العال بشدّة "كلّ من يقول إنّ وجود المرأة في المشروع هو أداة تسويقيّة ودعائيّة ليس أكثر". وقال: "إنّ هذا عارٍ من الصحّة لأنّ تاريخ مؤسّسة ابو مرعي وإنجازاته الإنمائيّة في المدينة تشهد لها على نجاحاتها ومساهمتها في تنمية المجتمع الصيداوي".

وختم عبد العال قائلاً: "دائما تُتَّهم مدينة صيدا بالانغلاق على النفس ورفض كلّ ما هو جديد وعصريّ، غير أنّنا نتفاجأ دائما بالواقع المخالف لهذه الادّعاءات، وأثبتت صيدا مرّة جديدة للجميع أنّها مدينة منفتحة تحبّ التطوّر وتدعم كلّ ما هو جديد ما دام في إطار المحافظة على ثقافتها وتراثها. ولن نرضى ان نكون اقلّ من غيرنا على الساحة الصيداويّة واللبنانية".

إذاً، لم يعد مستحيلاً ولا صعباً على المرأة أن تعمل في كلّ مجالات الحياة، ولا غرابة إن رأيناها تعمل في تعبئة البنزين للسيارات، وتحديداً في محطة "كوين" في صيدا. ويأمل مالك المحطة أن يصبح جميع العاملين فيها من "الجنس اللطيف"، وأن تساهم هذه المبادرة في تحسين وضع المرأة في المجتمع اللبناني.

وقالت مديرة المحطّة سمر دقدوق "إنّ الفكرة أتى بها صاحب المحطة المغترب السيّد مرعي أبو مرعي وعقيلته هويدا من سويسرا، وبعدما افتتحا مؤسّسة ومحطة لبيع المحروقات راودتهما فكرة أن يكون العاملون من الإناث والرجال، وأن تكون الغالبيّة من الإناث وأن تكون رواتبهنّ أكبر من رواتب الرجال من أجل مساواة المرأة في العمل مع الرجل حتى في محطات بيع المحروقات. وأشارت الى أنّ عدد الإناث اللواتي يعملن في المحطة يبلغ 13 فتاة، أمّا الشبّان فعددهم سبعة فقط، وأنّ الفتيات يعملن على غسل السيّارات أيضا، ونحن نراعي ظروفهنّ ونحدّد دوامهنّ من الصباح حتى الثالثة بعد الظهر، ومن الظهر حتى قبيل منتصف الليل ليقوم الشبّان بالعمل الآخر".

وقالت دقدوق "إنّ تشغيل فتيات في المحطة هو عامل جذب للزبائن، حيث يرتاحون الى التعاطي مع الفتيات أكثر من الجنس الآخر، فالعاملات في المحطة أفضل للعمل من الشبّان". ولفتت الى "أنّنا نطمح إلى أن لا يبقى المجتمع ذكوريّا فقط، بل أن تتساوى المرأة مع الرجل في كلّ شيء. فالإنسان عندما ينظر إلى عمل الفتاة في المحطة يراها مهمّة متعِبة، لكنّها عادية إنّما تحتاج إلى جهد وطاقة، وهو ما تستطيع أن تقوم به المرأة، ونحن في المحطة نجذب اليد العاملة النسائيّة برفع راتبها الشهري أكثر من راتب الشاب. فإذا كان الأمر بكدّها وعملها فلم لا؟"

وسألت العاملة على المحطة قمر كرجية: "لماذا تسليط الضوء على عملنا في المحطة؟ إنّه عمل تستطيع الفتاة أن تقوم به، ولقد مضى عليّ في عملي 3 أشهر، العمل عاديّ ولا شيء مُعيب، و"عيب على اللي بيعمل عيب".

وقالت فتاة أُخرى تعمل في المحطة: "إنّني مرتاحة في هذا العمل، وأنا أقوم به أمام كلّ الناس ولست خائفة، فلماذا هذه النظرة المستغربة إلينا"؟

وقالت عاملة ثالثة تدعى سميرة: "إنّه عمل حلال، وهو يساهم في إيجاد فرص عمل لنا، فلا نخاف من ممارسته، لا بل إنّنا نرتاح له".  

السابق
أطول ساقين في العالم.. لامرَأة
التالي
بلديات صور تطالب وزارة المالية بدفع مستحقاتها