بشار الاسد يستعرض العضلات

في كانون الاول 2011 أجرت قوات الجيش السوري عدة مناورات بالنار الحية. وحظيت هذه المناورات، على نحو غير معتاد في سوريا بابراز كبير في وسائل الاعلام السورية.
في 4 كانون الاول رفع تقرير عن مناورات مدرعة وكذا مناورات لقوات الصواريخ. وفي بث للتلفزيون السوري، عرض عدد من عمليات اطلاق كل انواع السلاح البالستي بعيد المدى لسوريا: فقد عرض اطلاق صاروخ سكاد (لم يكن ممكنا تحديد طرازه)، صاروخ فروغ، صاروخ اس.اس 21، كما عرض لاول مرة اطلاق صاروخ بالستي يتحرك بوقود صلبة – من شبه المؤكد ان هذا كان صاروخ ام 600. كما عرض اطلاق صواريخ ثقيلة (الـ 220 ملم والـ 302 ملم). في 20 تشرين الاول 2011 افادت وسائل الاعلام السورية بمناورتين اخريين، الاولى، لسلاح الجو وقوات الدفاع الجوي لسوريا؛ والثانية، للقوات البحرية. وهنا ايضا عرضت في التلفزيون السوري عمليات اطلاق لصواريخ ارض – جو وصواريخ شاطيء – بحر.
مناورات بمثل هذا الحجم وبابراز اعلامي بهذا القدر هي مثابة امور شاذة في سوريا، وواضح انها تشكل رسالة قوة من جانب نظام بشار الاسد، الذي يوجد تحت ضغط دولي جسيم على خلفية الاضطرابات المتواصلة في سوريا منذ الربيع الاخير. وعلى نحو خاص يخشى النظام من هجمات تقوم بها دول حلف الناتو، مثل الهجمات التي نفذت في ليبيا وادت في نهاية المطاف الى سقوط نظام معمر القذافي. واساس تخوف السوريين هو من عملية بقيادة تركيا – التي أعربت منذ آب الماضي عن عدم ارتياحها مما يجري في سوريا، في زيارة خاصة عقدها في سوريا وزير الخارجية التركي داود اوغلو. ومؤخرا اشتد الضغط الذي ضم ايضا دولا عربية، قررت في بداية تشرين الثاني تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية. ناطقون سوريون رسميون امتنعوا عن الاعلان عن ان المناورات العسكرية تطلق رسالة نحو عنوان ما الا انه واضح جدا بانها تستهدف، سواء كاعلان للتصميم والعناد ام كرسالة ردع موجهة لكل جهة تحاول مهاجمة سوريا.
عمليا، بشار الاسد نفسه سبق أن حذر قبل بضعة اشهر بان كل محاولة للتدخل الاجنبي في سوريا ستؤدي الى "هزة ارضية في كل المنطقة". كما أنه صرح بوضوح بانه في كل حالة كهذه ستتضرر اسرائيل.
في هوامش المناورات التي وصفت اعلاه والتهديدات على اسرائيل تجدر الاشارة ايضا الى ثلاثة جوانب ترتبط بالموضوع. الاول، في مناورة سلاح الجو والدفاع الجوي، التقطت لاول مرة في سوريا صورا لجهاز اطلاق صواريخ Buk M2، يعرف في الغرب بانه SA-17 . ونقل في الماضي تقارير عن اهتمام سوريا بهذه المنظومة ولكنه لم يكن هناك تأكيد بمادة علنية على وصولها الى سوريا. وتجدر الاشارة الى أن منظومتي دفاع جوي اخريين بلغ من قبل عن وصولهما الى سوريا في الماضي – Strelts و Pantsyr-S1 – لم تظهرا.
منظومة الـ Buk M2 هي خليفة الـ Kub (المسماة في الغرب بـ SA-6) القديمة. هذه منظومة صواريخ أرض – جو متنقلة تستهدف حماية القوات البرية. وقد جرى تحسين هذه المنظمة بشكل كبير بالقياس الى سابقتها. في هذه المنظومات مزودة أجهزة الاطلاق بقدرات اطلاق ومتابعة تلقائية وهي غير متعلقة بمركز ادارة النار لتوجيه الصواريخ (الامر الذي يجعل من الصعب التصدي لها).
ليس واضحا حجم الصفقة، وعلى أي حال واضح ان صواريخ الـ SA-6 القديمة بقيت قيد استخدام القوات. وعلى الرغم من القدرات التي تمنحها منظومة مثل Buk للدفاع الجوي السوري، تجدر الاشارة الى انه في النظرة الاجمالية لقدرات سوريا في الدفاع عن سمائها (بواسطة سلاح الجو والدفاع الجوي) فان مساهمة هذه المنظومة، متواضعة.
ثانيا، في مناورة سلاح البحرية التقطت صور لاطلاق صاروخ "ياخنت"، من منظومة اطلاق الصواريخ البرية "باستيون". وهذا صاروخ جوال يتجاوز سرعة الصوت بمدى يصل الى نحو 300كم. في الاصل توجد له صيغ تطلق من السفن، الغواصات والطائرات. الصيغة التي تلقتها سوريا – منظومة "الباستيون"، هي صيغة برية لتفعيلها من الشاطيء. السرعة العالية للصاروخ ومسار طيراته يجعلان اكتشافه واعتراضه صعبين جدا. نصبه في شواطيء سوريا يمكن أن يهدد النشاط البحري الاسرائيلي – العسكري او المدني – تقريبا حتى خط تل أبيب. ليس واضحا من المعلومات المتوفرة من مصادر علنية اذا كان للمنظومة ايضا قدرة ضد أهداف برية او داخل الموانيء. وتوجه المنظومة بالرادار وبشكل عام مثل هذه المنظومات تجد صعوبة في التصويب على اهداف برية. في الخلفية يوجد التخوف من أن تقع مثل هذه المنظومة في يد حزب الله، مثلما وصلت اليه في الماضي منظومات الـ C-802. نصب المنظومة في جنوب لبنان سيغطي كل شواطيء اسرائيل وقطاع غزة في مدى الصواريخ. مهما يكن من أمر، فان ظهور المنظومة في الساحة هو تحد جدي للغاية وان كان لا يعني ان سلاح الجو (او الجيش الاسرائيلي بشكل عام)، بقيا بلا جواب على المشكلة.
ثالثا، تواصل روسيا النظر الى سوريا كشريك استراتيجي هام وتنظر بقلق متصاعد الى عملية انهيار نظام الاسد. التعاون مع سوريا يمنح روسيا فضائل سياسية هامة في منافستها للقوى العظمة الغربية على مكانتها العالمية والى جانبها، فضائل عسكرية لا بأس بها ايضا. والى ذلك، فان سوريا تسمح لروسيا باستخدام البنى التحتية العسكرية لاغراضها، بما فيها ايضا ميناء طرطوس، الذي اصبح قاعدة الاسطول الروسي في البحر المتوسط.
العلاقات الامنية بين سوريا وروسيا تعززت من جديد في 2005، بعد البرود الذي ميزها مع انهيار الاتحاد السوفييتي الذي كانت سوريا في حينه حليفته الرئيسة في الشرق الاوسط. وضمن امور اخرى، ساعد في ذلك ايضا التخلي الروسي عن معظم الدين السوري القديم. ومنذ ذلك الحين وقع البلدان على صفقات سلاح تضمنت منظومات صواريخ مضادة للدبابات، منظومات دفاع جوي (وكما اسلفنا – عنصر واحد على الاقل في هذه الصفقات – لوحظ في المناورة الاخيرة)، ومنظومات دفاع عن الشواطيء (صفقات اخرى، لشراء طائرات قتالية لم تتحقق على ما يبدو). وفي الغالب، حرصت روسيا على عدم تزويد سوريا بمنظومات سلاح "تحطم المساواة"، بينها منظومات صواريخ أرض – جو 300S، صواريخ أرض – أرض "اسكندر E . اما تزويدهم بصواريخ "ياخونت" في التوقيت الحالي فيثير التساؤل حقا.
كلما اتسعت الانتفاضة الشعبية في سوريا، تعاظم ايضا الوعي السوري لامكانية انهيار نظام الاسد حتى بدون تدخل خارجي، الذي تعمل روسيا بانسجام لمنعه. وعليه فان روسيا تعمل – بالتوازي مع الجهود المستمرة لمنح اسناد اقصى للاسد – ايضا في اتجاه الانضمام المدروس لممارسة الضغوط الدولية لكبح جماح النظام السوري. بالتوازي، تجري روسيا اتصالات مع محافل المعارضة ومحافل اخرى كفيلة بالوصول الى الحكم في سوريا، كبديل عن النظام المترنح. وهكذا تهيىء روسيا امكانيات التعاون مع زعامة سورية مستقبلية ايضا، على امل الحفاظ على انجازاتها الحيوية في سوريا.   

السابق
دولة الحريديين
التالي
جنرالات مصرية تعرقل مسيرة الثورة