الجنون توقيت ايران السيء

ايران تقترب من لحظة الحسم او بالتحديد من موعد تغيير وجهتها للعقود المقبلة. صورة الدولة القوية والقادرة التي حاولت رسمها منذ أن بدأ الأميركيون حملتهم العسكرية على العالم الاسلامي في اعقاب هجمات ١١ ايلول ٢٠٠١ ، تهتز في هذه الايام. العروض العسكرية الإيرانية، لا تخدم هذه الصورة، ولا تجدي نفعا في تخويف اميركا ولا في جرها الى طاولة المفاوضات.

على ايران ان تختار لوحدها، ما اذا كانت تصدق …انها وريثة اميركا او على الاقل منافستها على النفوذ في العالم الاسلامي وفي المنطقة العربية ام انها دولة متواضعة تواجه تحديات داخلية صعبة، وتضع الإيرانيين امام خيار تقليص طموحاتهم وتكييفها مع واقع الحال، او العثور على عناصر قوة وضغط وتأثير اكبر من تلك التي بحوزتهم الان.

لم تفلح ايران في وقف مسار العقوبات الدولية. البعض يقول انها تريد ذلك، لان بعض صناع القرار يعتبرون الحصار الخارجي مفيدا لاستمرار النظام واستقراره. ثمة من يعتقد ان ايران لم تبذل حتى الان جهدا جديا لتفادي العقوبات، سواء من خلال تقديم تنازلات ممكنة في برنامجها النووي، او من خلال الحوار.

لكن الخطأ الاكبر الذي ترتكبه ايران الان هو انها تنتهز فرصة الانسحاب الاميركي من العراق والخفض التدريجي من افغانستان، لكي تعلن انها القوة الإقليمية العظمى التي لا يستغنى عنها وعن تقاسم النفوذ معها. التوقيت كان سيئا، والأسلوب أيضاً، والاسوأ هو عروض القوة التي تقوم بها الان والتي لا تقنع أحدا ولا ترهب أحدا، بل هي تدل على ثقة محدودة بالنفس.

في بعض الاحيان يبدو وكأنه ليس هناك نظام او دولة او حتى مؤسسات في طهران. كان من الظاهر حتى لأبعد الناس عن هذه الازمة ان لجوء ايران الى الاستفزاز والتحدي لا سيما في مرحلة الخروج الأميركي من العراق لن يجلب الغرب الى قاعة التفاوض بل سيدفعه الى فرض الحد الأقصى من العقوبات، التي تشل الاقتصاد الإيراني. وهذا ما يلوح في الافق الان اثر العقوبات الأميركية الاخيرة على القطاع المالي والمصرفي الإيراني، التي ادت الى انخفاض العملة الإيرانية الى مستويات قياسية.

اما الجنون الإيراني الأخطر فهو الاعتقاد بان الغرب يخشى اغلاق مضيق هرمز او انه لن يتورع عن فرض عقوبات تمس قطاع النفط والغاز الإيراني. هذا الغرب هو نفسه الذي عطل ذلك القطاع في العراق واستغنى عنه لنحو عقدين من الزمن، مع ان الحصة العراقية في الاسواق العالمية كانت ولا تزال تفوق حصة ايران المتواضعة اصلا.

قد لا يحتاج الغرب الى التخلي عن أقل من ثلاثة ملايين برميل من النفط الخام الإيراني الموجه اساسا الى السوق الصينية واليابانية والأسواق الآسيوية عموما. العقوبات المالية وحدها كافية كما يبدو لإطلاق نداء الثورة الشعبية على نظام متهالك في ايران، لم يلاحظ ان معاركه قد انتهت او هي شارفت على الانتهاء، ولا يمكن تعويضها بالألعاب النارية في سماء الخليج.

السابق
نقولا نحاس: لضبط المخالفات والاحتكار والغش وفقا للقوانين
التالي
عسيران كرم رؤساء الطوائف المسيحية في الجنوب لمناسبة الاعياد