هل بدأت ترتسم ملامح لتسوية دولية – إقليمية للأزمة السورية؟

توقف سياسيون مراقبون للتطورات الجارية في سوريا أمام مجموعة من الأخبار التي تعكس مؤشرات تحتاج الى تدقيق وتعرّف على ما ترمز اليه، بغية استكشاف مستقبل الأزمة السورية في قابل الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة، سلباً او ايجابا.

فبعد حديث رئيس بعثة المراقبين العرب الى سوريا الفريق محمد أحمد مصطفى الدابي عن الأوضاع في سوريا والحملة التي شُنّت عليه ودفاع الامين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي عنه ظهر امس، بدا ان هناك ما يشير الى وجود "خيبة أمل ما" لدى جهات دولية وعربية، وحتى لبنانية، مع انضمام الرئيس سعد الحريري الى صفوف المشككين بصدقية المراقبين العرب.

ومن جهة أُخرى كان مشهد الخلافات التي تفجّرت داخل المجلس الوطني السوري المعارض بين موقعي الإتفاق مع هيئة التنسيق الوطنية المعارضة وبين قوى وشخصيات أُخرى داخل هذا المجلس محل دراسة واهتمام لدى عدد من السياسيين الذين رأوا فيه إرتباكا داخل المعارضة يُعبّر عن خلافات بدأت تطفو على السطح بين أنقرة وباريس على خلفية الاصرار الفرنسي على الحديث عن ملف "الابادة الجماعية" للأرمن، فالمجلس الوطني السوري هو ائتلاف بين قوى تدعمها انقرة وأُخرى تدعمها باريس فيما التمويل قطري بامتياز. ولذلك لا يستبعد هؤلاء السياسيون ان يكون وراء الانقسام في المجلس الوطني اسباباً تتعلق بالخلاف الدائر بين داعمي هذا المجلس، الى درجة ان إسم رئيسه برهان غليون بات يُشتَم في تظاهرات بعض المحتجين في المدن السورية، وذلك على غرار ما جرى لهيئة التنسيق نفسها يوم إعتدى المعارضون في المجلس الوطني بالضرب على وفدها خلال توجهه الى مبنى جامعة الدول العربية في القاهرة في ما سماه البعض يومها "موقعة البيض والبندورة".
 ويخشى بعض السياسيين المراقبين ان يكون وراء هذا التظهير الفاضح للخلافات بين فريقي المعارضة وداخل كل فريق منهما رغبة في "تنصل تدريجي" لبعض الاطراف العربية والدولية من المشروع الهادف الى إسقاط النظام السوري. ويدعم هؤلاء السياسيون وجهة نظرهم هذه بما نشرته أمس إحدى الصحف العربية المعروفة بموقفها المعارض للنظام السوري عن "عراك بالسلاح الابيض" حصل بين ائتلاف القبائل السورية الذي كان مجتمعا في ضاحية من ضواحي شرق الرياض.

ويضيف السياسيون أنفسهم في السياق ذاته تقريرا نشرته شبكة "سي. إن. إن" الاميركية عن مسلحين في حي "بابا عمر" في مدينة حمص من دون الاشارة الى أنهم منشقين عن الجيش السوري، على نحو اعتبره البعض دعما غير مباشر للرواية الرسمية السورية عن وجود مسلحين ينفذون عمليات ارهابية في أكثر من منطقة سورية. وهو تقرير يستكمل ما بثته قنوات تلفزة غربية عدة في السياق ذاته.

ويتوقف السياسيون أيضا أمام بعض ما تنشره صحف قومية مصرية من افتتاحيات وتغطيات تشير الى "مبالغات كبيرة" في ما يبثه بعض الفضائيات ومواقع المعارضة عن الأوضاع في سوريا. ولكن الخبر الأكثر اثارة للاستغراب كان ما نشره معهد تدريب مركزه الدوحة من استطلاع اجراه هذا المعهد ويُظهر أن أكثر من نصف السوريين لا يؤيدون تنحي الرئيس السوري بشار الاسد، في ما إعتُبِر رسالة تحتوي على اكثر من مؤشر ينبغي التوقف عنده.

فهل تشكل هذه المؤشرات جميعها إشارة إلى أن تسوية دولية اقليمية لحل الأزمة السورية قد بدأت تلوح في الأفق ومضمونها ما سبق لـ"الجمهورية" ان أشارت اليه في عدد سابق، وهو تشكيل حكومة إتحاد وطني تعكس شراكة بين حزب البعث العربي الإشتراكي والمعارضة والمستقلين وإعلان دستور يتضمن تجاوزاً للمادة الثامنة التي تعطي لحزب البعث حصرية قيادة المجتمع والدولة السورييّن، ويشدد على تداول السلطة، ويفتح الباب أمام انتخابات حرة تحدد الحجم التمثيلي للقوى السياسية السورية؟

في هذا السياسق يؤكد سياسيون قريبون من دمشق أن ليس مستبعداً ان تتضمن كلمة سيلقيها الأسد خلال الايام القليلة المقبلة عناوين للمرحلة الجديدة في سوريا، تعكس هذه التسوية العتيدة.

ولكن يبقى السؤال الكبير، وهو: هل بدأ انحسار الضغوط الخارجية والداخلية على سوريا مع بدايات سنة وجد الاميركيون انفسهم فيها مضطرين الى الانسحاب من العراق، ووجد الاسرائيليون انفسهم امام حقائق جديدة مرتبطة بالمصالحة الفلسطينية كما بالتصدع الذي بدأ يأخذ اشكالا غير مسبوقة داخل البنيان الاسرائيلي نفسه، حيث بدأ المستوطنون عمليات ضد الجيش، وبدأ المتطرفون عمليات ضد المرأة، ناهيك عن الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية المتصاعدة في كيان لم يعد يجد من حماية له سوى نصب جدران مع مصر سابقا، ومع الاردن ولبنان راهناً في توجه واضح نحو خيار "القلعة المحصّنة" كمستقبل لهذا الكيان بدلاً من "السوق المفتوحة" التي شكّلت طموحا لرئيس الدولة العبرية الحالي شمعون بيريز في اوائل التسعينات حيث ظن أن بعض الاتفاقات مع بعض الاطراف الفلسطينية والعربية ستنهي الصراع التاريخي في المنطقة؟

هذا السؤال الكبير ستجيب عليه طبيعة التطورات التي ستشهدها الأيام المقبلة على الجبهتين الإقليمية والدولية. 

السابق
المحكمة 2012:حماية شهود الزور
التالي
شربل يدافع عن الضاحية: حزب الله طلب ترخيصا لزجاج الفيميه للسيارات التابعة له