ميقاتي يتجه إلى ردّ الصفعة لشركائه في الحكومة

مع أن سنة 2012 أطلت على لبنان وسط أجواء مقبولة الى حد بعيد قياساً بما تشهده الدول العربية المحيطة به او البعيدة عنه، فان ذلك لا يُسقط الهواجس الكثيرة التي ستبدأ مواجهتها مع برمجة استحقاقات السنة الجديدة على مختلف المستويات السياسية والامنية والاقتصادية والمالية. حتى ان السنة الجديدة تطل وارثة من العام الراحل ملفا شديد الوطأة على الحكومة ويتمثل في التداعيات الامنية والسياسية للازمة السورية على لبنان، التي يتوقع ان تتفاقم اكثر فأكثر مع مطلع السنة في ضوء الاحتدام السياسي الذي حصل في الاسبوعين الاخيرين على خلفية موقف وزير الدفاع فايز غصن من وجود مزعوم لتنظيم «القاعدة» وتسرُّب عناصر منه الى سورية وهو الملف الذي تَسبب باحتدام الانقسام والخلافات حياله حتى داخل الصف الحكومي.
ومع ان برمجة الاستحقاقات القريبة المقبلة تنتظر معاودة الحركة الرسمية والحكومية غداً، فان اوساطاً وزارية مطلعة ابرزت في الدرجة الاولى ملف زيادة الاجور كاستحقاق ملحّ سيطرح نفسه على الحكومة مجدداً كاختبار للعلاقات بين اطرافها. ذلك انه بات في حكم المؤكد ان مجلس شورى الدولة اتخذ رأيا سلبيا من مرسوم زيادة الاجور الذي أُقر بدفع من الثلاثي «التيار الوطني الحر» (بزعامة العماد ميشال عون) وحركة «امل» و«حزب الله»، ومن شأن ذلك ان يعيد تصليب وجهة نظر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الرافض لهذا المرسوم بوضوح وإعادة طرح الملف على مجلس الوزراء ربما في جلسة الاربعاء التي سيعقدها المجلس.
واوضحت الاوساط نفسها لـ «الراي» ان هناك توجسا لدى القوى الثلاث التي تبنت مرسوم وزير العمل شربل نحاس (من فريق عون) مما يعتبر» ضغوطاً» مورست على مجلس الشورى في هذا الاطار، في حين تؤكد الاوساط المتحفظة عنه ان مجلس الوزراء لم يكن في امكانه اطلاقاً ان يمرر مرسوم نحاس لوجود مسألتين جوهريتين فيه مخالفتان هما دمج بدل النقل في صلب الراتب وتدخل الحكومة في اتفاق توصلت اليه الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام مما يخالف الاصول المتبعة في مثل هذه الحال.
وتقول الاوساط ان اعلان ميقاتي عشية نهاية السنة رفضه لاي انتقاص من صلاحيات مؤسسة رئاسة الحكومة اثار سخطاً مكتوما لدى قوى 8 اذار اذ بدت الرسالة موجهة اليها، وهو امر سيعيد ملف الاجور الى مسرح الكباش الضمني المتصاعد بين ميقاتي وهذه القوى علما ان موقف رئيس الحكومة يُعتبر موجها بصورة خاصة الى العماد عون. ومع ذلك فان صدور قرار سلبي لمجلس الشورى سيحرم قوى 8 آذار المستند القانوني الصلب الذي ارتكزت اليه في طرح مرسوم الوزير نحاس على التصويت فيما سيحتاج المخرج الى حفظ ماء الوجه للقوى الثلاث لئلا يبدو في الامر مكاسرة او مبارزة داخل الصف الحكومي من شأنها ان تنعكس سلبا وبقوة على مختلف الملفات الاخرى المقبلة.
وتضيف الاوساط انها لا تستبعد قيام مساع ناشطة للاتفاق على مخرج لمسألة الاجور لا تبدو معها قوى 8 آذار وكأنها تلقت صفعة سياسية ومعنوية لا تحتملها، وهو مخرج سيمهّد لطرح مجموعة ملفات حساسة اخرى وبشكل متتابع على جلسات مجلس الوزراء بدءاً باقرار المراسيم التطبيقية لقانون التنقيب عن النفط الذي سيُدرج في جدول اعمال جلسة الاربعاء ويشكل مطلبا للرئيس نبيه بري وفريق العماد عون، ومن ثم برمجة اعادة طرح الموازنة لسنة 2012 التي لا تزال عالقة دون اقرار بفعل تعديلات حتمية ستدخل عليها، ناهيك عن ملفات حيوية اخرى.
اما في ملف امن الحدود مع سورية، فان الاوساط تعتبر ان الامر مرشح للتفاقم على نطاق سياسي واسع اذ ان قوى 14 آذار تبدو ماضية في تصعيد حملتها على وزير الدفاع والحكومة عموما في هذا الملف. ولم تقدّم جلسة مجلس الوزراء واجتماع المجلس الاعلى في الاسبوع الاخير من السنة المنصرمة اي مناخ من شأنه ان يبرّد الحماوة التي يتسم بها هذا الملف، بل ان ثمة من يخشى تفاقم ظاهرة الاختراقات الحدودية والاشكالات المرشحة للحصول بوتيرة مستمرة على الحدود الشمالية والبقاعية، رغم ان رئيس الجمهورية ميشال سليمان باستقباله السفير السوري علي عبد الكريم علي قبل ايام قد يكون طلب من السلطات السورية خطوات معينة لمنع تكرار هذه الاختراقات، لكن واقع الاحداث في سورية يبدو اكبر بكثير من امكانات توقُّع ضبط الحدود مما يرشح هذا الملف لمزيد من السخونة والتداعيات الداخلية في لبنان.
في هذه الاثناء، اعلن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ان سنة 2012 ستشهد سقوط النظام السوري «ما سيكون له انعكاسات كبيرة على الوضع اللبناني وسينتج عنه ميزان قوى آخر، ومن المفترض بعد سقوط النظام السوري ان نبدأ مسيرة بناء الدولة بكل ما للكلمة من معنى».
ورأى جعجع، خلال عشاء للهيئة العامة في «القوات اللبنانية» انه «بعد سقوط النظام السوري سندخل في عملية سياسية ستكون معقّدة قبل ان نصل الى نظام سياسي آخر واضح المعالم نستطيع بناء علاقات معه بين لبنان كدولة وسورية كدولة».
واذ استنكر دخول الجيش السوري الى وادي خالد وقتل ثلاثة لبنانيين، أسف لعدم معرفة ما هو موقف الحكومة اللبنانية من الذي حصل، وقال: «هذا حدث كبير وليس مزحة، فما حصل ليس حادث سيارة سقط ضحيته ثلاثة قتلى. وكان من المفترض ان يكون لدى الحكومة موقف استنكار واضح جداً وان تقوم بتحقيقاتها وان تطلب ايضاحات عاجلة من الحكومة».
وانتقد تصريحات بعض المسؤولين حول وجود عناصر من «القاعدة» في لبنان، فقال: «هذه اول مرة أرى فيها بعض الوزراء في الحكومة يعملون عن سابق تصور وتصميم لتلطيخ سمعة بلدهم. فالمسؤولون الرسميون الذي صرحوا بوجود عناصر من القاعدة في لبنان، هل يقولون لنا هذا الكلام لنذهب ونحارب «القاعدة»؟ فهذا عملهم»، معلناً انه «يجب اتخاذ التدابير اللازمة بحق من كان وراء هذه التصاريح».
واكد ان «القوات اللبنانية» لا يمكنها الا ان تكون مع الربيع العربي، وقال: «لا يمكننا ان نكون ديموقراطيين في لبنان ولا ديموقراطيين في الشام أو القاهرة أو طرابلس الغرب، نحن منسجمون مع أنفسنا ومن هذا المنطلق نحن مع الربيع العربي الذي انطلق وسيخضع لمخاض كبير وعسير للأسف ليصل الى نهاياته التي ستكون بتقديري سعيدة».
  

السابق
عمر بكري: رسالتي إلى «حزب الله».. لا تجوز مساندة النظام الأسدي الذي يرتكب المجازر ويسفك الدماء
التالي
إسرائيل تستعد لفترة ما بعد الأسد مع احتمال هجمات يشنها إسلاميون في الجولان