عدو إسرائيل الجديد.. نفسها!

التطرف الذي بدأ يأخذ حيزه بخجل الآن في بعض وسائل الإعلام حاليا لا يأتي من منطقة الشرق الأوسط ولا من دولة من دول العالم الإسلامي، ولكن من الداخل الإسرائيلي نفسه. فاليوم الأصوات الصادرة بعنف وتسلط وقوة من اليهود التقليديين الأرثوذكس الذين يشكلون ما يقارب الـ10 في المائة من تعداد سكان إسرائيل اليوم، وأصبحوا أصحاب أصوات أعلى ونفوذ على الشارع أكبر فعالية، فهم يعتدون على النساء الكاشفات لشعورهن أو المرتديات لملابس فاضحة ويحطمون صور النسوة على لائحات الإعلانات ويصرون على الفصل بين الجنسين في مقاعد ووسائل المواصلات العامة، وهذه الفئة هي اليوم الفئة الأكثر نموا داخل المجتمع اليهودي بإسرائيل.
وعلى الرغم من أن اليهود لهم مشارب ومذاهب مختلفة وليسوا كلهم بهذه الشدة، فإن المدن الرئيسية مثل تل أبيب ويافا يسكنها بشكل رئيسي اليهود الليبراليون والإصلاحيون اليهود كما يطلق عليهم لتعريفهم، ولجأ اليهود التقليديون الأرثوذكس إلى مناطق أصغر وليست تحت المجهر الاجتماعي مثل المدن واختاروا مدنا مثل مدينة بيت شيمش، وهي مدينة تقع بين تل أبيب والقدس.
وهذه المدينة تحولت إلى نقطة تماس في الصراع بين التيارات الليبرالية والمتشددة في الداخل الإسرائيلي، وهي المعركة التي سماها الرئيس الإسرائيلي الحالي شيمعون بيريس «معركة لأجل روح إسرائيل ومعنى الدولة فيها»، بمعنى أن المعركة الحقيقية اليوم لإسرائيل (الدولة التي تعرف نفسها بأنها دولة يهودية حصرا) هي معركة تعريف لماهية الممارسة الحقيقية لليهود في الحياة.
وخرجت مظاهرات ومسيرات تحذر وتندد بالتطرف الحاصل وبالاعتداء على النساء، وكان هذا الحراك انفجر بعد اعتداء مجموعة من المتطرفين المنتمين للتيار اليهودي التقليدي الأرثوذكسي على تلميذة مدرسة عمرها 8 سنوات بحجة «خلاعتها» ولبسها «الفاضح» وسلوكها «المشين».
وبدأ الإعلام يغطي الحدث بغضب ما بين تيار معترض على التصرف والخوف من جنون التشدد وتسلطه، وتيار آخر يدافع عن أصول الدين وينادي بأهمية الحفاظ عليه ويحذر من خطورة ذوبان الهوية واختفاء القيم الدينية.
وتناول الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) في أكثر من جلسة من جلساته تداعيات ما حدث وانعكاساته على المجتمع والسياسة. وقادت المسيرات المعارضة والمنددة بهذا التشدد رئيسة الوزراء السابقة تسيبي ليفني، وكذلك كان لرئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو رأي في ذلك، وقال «إن ما يحدث ليس هو التعريف الحقيقي لروح التوراة».
المجموعة المتطرفة المعروفة بانتمائها للتيار اليهودي التقليدي الأرثوذكسي يطلق عليها اسم «هاريدي»، وهي من أشد المجاميع اليهودية تطرفا وتشكل نصف تعداد سكان مدينة بيت شيمش البالغ تعداد سكانها مائة ألف نسمة.
التحرش اللفظي والإهانة والسب والبصق واللعن والنظرات المزرية.. هي شكوى دائمة للنسوة اللاتي يدرسن في مدارس المدينة أو الموظفات فيها، حيث يتلقونها من المجاميع المتطرفة الساكنة فيها بشكل دوري ومستمر. مجموعة «هاريدي» بإسرائيل لها حزبان سياسيان يتبنيان خط المجموعة في الكنيست ويدافعان عنه.
إسرائيل كانت دوما ما تسعى لإيجاد «توازن» بين هويتها اليهودية وخطها العلماني المعلن، ولكنها جنحت في السنوات الأخيرة نحو اليمين وأصوليته، والأحداث الأخيرة توضح أن المسألة «اجتماعيا» بدأت في الخروج عن السيطرة بشكل خطير. الحاخام شامويل جاكوبوتيز، وهو زعيم أرثوذكسي معروف ومدافع دائم عن مجموعة «هاريدي» بالمجتمع الإسرائيلي، يوضح موقف المجموعة بأنهم «يجب أن يعيشوا كما يرونه صحيحا»، وأن «المرأة نحن أدرى بحمايتها وصونها، وطريقتنا هي الأنسب لذلك». وصول مناحم بيغن للحكم وبعده ظهور مائير كاهانا وباروخ غولدشتاين واغتيال إسحق رابين وصعود حزبي «شاس» و«إسرائيل بيتنا» وتطرف المستوطنين.. جميعها علامات جنون التطرف في داخل المجتمع الإسرائيلي، وأن إسرائيل صرفت لسنوات وعقود طويلة على ميزانيات حرب مهولة للاعتداء على جيرانها وأغفلت عدوها الجديد الذي
  

السابق
الحياة : عون يتجاهل الطائف ويراهن على دعم حزب الله
التالي
عمر بكري: رسالتي إلى «حزب الله».. لا تجوز مساندة النظام الأسدي الذي يرتكب المجازر ويسفك الدماء