المالكي في فخ الشراكة

أخذت مسألة الخلاف بين رئيس الوزراء نوري المالكي, وشركائه المفترضين في الحكم من أقطاب قائمة العراقية, وانتهى باتهام واحد من قياداتها بتبني عدد من الأعمال الارهابية, والطلب من البرلمان سحب ثقته من آخر, بعداً لايمكن وصفه بغير المأساوي والخطير, لأنه يمثل شرارةً لحرب أهلية طائفية بامتياز, كانت مؤجلة بفعل التواجد العسكري الأميركي, ويبدو اليوم أن الخروج من الأزمة الراهنة, أصعب بكثير من تفجرها على وقع اتهامات للمالكي بتهميش المكون السني, والسعي لسيطرة الشيعة على الحكم منفردين, مع ما في ذلك من إخلال متعمد بواقع الأمور, يترافق للأسف مع تبني البعض لطروحات بائسة, تتعلق بتمثيل نظام صدام حسين للعرب السنة, وكأن ذلك الدكتاتور لم يكن يفرق في ظلمه بين عراقي وآخر, وأن نظامه لم يكن لاسنياً ولا بعثياً, بقدر ما كان نظام الفرد القائد, المنزه عن أي خطأ, وصولاً إلى ظلمه لعدد من أقرب الناس بالدم إليه.
في ظل الأزمة الراهنة تتعالى دعوات مجانية لانتخابات مبكرة, ويجهل أو يتجاهل مطلقوها أن خطوة كهذه تحتاج لإجراءات طويلة ومعقدة, من بينها تشكيل مفوضية جديدة للانتخابات, وهذه بالطبع تحتاج لتوافقات يبدو اليوم أنها معدومة, وتحتاج لإقرار قوانين ضرورية للعملية الإنتخابية, يحتاج إقرارها شهوراً من العمل الدؤوب والنية الصادقة, وهي انتخابات لو جرت اليوم, لأعادت نفس الوجوه والقوى إلى مواقعها, مع احتمال بسيط بأن تفوز بعض القوى الصغيرة بأصوات إضافية تأخذها من القائمتين الأكبر, وهما ستظلان في موقع الأكبر, بغض النظر عن عدد من يفوز منهما بمقاعد البرلمان, ولهذه الدعوة ميزة إيجابية واحدة, وهي التذكير بالخطوات الواجب اتخاذها منذ اليوم, تمهيداً للإنتخابات المنتظرة بعد عامين من الآن.
يبدو أن سعي الرئيس جلال طالباني لعقد مؤتمر وطني للخروج من الأزمة, سيكون الحل الأفضل للعراق والعراقيين, ولانقول الأفضل للمالكي أو الهاشمي, شريطة أن لاتكون النتيجة الطبطبة على الطابق, وتبويس اللحى وعفا الله عن ما مضى, فالمواطن العراقي الواقف اليوم في مواجهة أزمة مصيرية, يستحق أن يتأكد إن كان نائب رئيس جمهوريته إرهابياً, وعندها فإن معاقبته واجبة وضرورية, أو إن كان رئيس وزرائه دكتاتوراً يسعى للتخلص من الآخرين, ولو كانوا شركاء في العملية السياسية والحكم, تنفيذاً لأجندة تمنحه كرتاً أبيض في حكم العراق كما يشتهي, ضارباً عرض الحائط بأصول اللعبة القائمة اليوم, والتي تبدو ضرورية للخروج بالبلاد من مشروع التقسيم إلى فضاء الوحدة الوطنية الجامعة, التي ستتيح لصاحب الأغلبية البرلمانية الحكم على أساس برامجي, وليس على أسس طائفية هي اليوم من تصبغ الكيانات السياسية بألوانها الكالحة.
الحديث عن تدخلات إقليمية في عراق ما بعد صدام لايخلو من واقعية, وهي تدخلات لاتقتصر على إيران, وإنما تمتد لتشمل معظم دول جوار العراق, وهي تدخلات تبدو مشروعة, إن كانت تستهدف الحفاظ على مصالح تلك الدول وأمنها, ولاتسعى لتخريب العملية السياسية التي دفع العراقيون ثمناً باهظاً للوصول إليها, أو هي تستهدف تصدير الأزمات الداخلية إلى خارج تلك البلدان, وتجد في العراق الخاصرة الرخوة للنفاذ منها إلى ذلك الهدف, والحديث عن تهميش مكون واحد من مكونات الشعب العراقي مبالغ فيه, ذلك أن التهميش يطال كثيرين من أبناء الطائفة الشيعية من غير المتدينين, أو غير المنتسبين لأحزاب دينية, والمهم اليوم البحث عن إجابة للسؤال المركزي, كيف سيخرج المالكي من الأزمة بعد أن قطع كل حبال الوصل مع الشركاء, وهل دخل الرجل في فخ أراد نصبه لهم, وسيكون صعباً عليه الانفكاك من شباك حاكتها يداه.  

السابق
الفساد الذي اغتال الإمام الحسين(ع)
التالي
هل تفجر إيران حرباً جديدة في الخليج؟!