2011 عام الربيع و2012 سنة التغيير الكبير

“ربيع” سوريا طويل جداً. تضحيات السوريين ضخمة جداً. كل يوم أقسى من اليوم الذي سبقه. النظام الاسدي نظام ممانع على التغيير. نظام يَقتل حتى لا يُقتل، ومعارضة شعبية تضحِّي حتى لا تصبح ضحيّة، لا قيام لها لعقود طويلة. صراع الإرادات في سوريا، طاحن ودموي. المهم أنّ النظام الأسدي أصبح بفضل تضحيات السوريين وصمودهم، في الزاوية. يا قاتل يا مقتول. لم يستطع رفض المبادرة العربية، ولا إقفال المعابر في وجه المراقبين العرب، وهو مهما استخدم من أنواع القوّة والقمع، فلن يستطيع منع عشرات الألوف من النزول إلى الشوارع والساحات. انه خاسر في الحالتين. المراقبون العرب، مُراقبون من السوريين والعرب والعالم. أي خطأ يرتكبونه خطيئة. يكفي أن رئيسهم عليهم علامة تساؤل كبيرة بسبب ماضيه الأمني وتزعّمه “للجنجويد” في السودان. يستطيع المراقبون العرب التنكّر لمسؤوليتهم التاريخية، مثلهم مثل النظام الأسدي. إذا تنكروا لمهمتهم ودورهم، لن يصفّق العالم لهم وهو سيدينهم. المجتمع الدولي قادر على خلق كل الطرق الكفيلة لشطب مسارهم والبدء بمسار جديد. وإذا قاموا بمهمتهم كما يجب فإنّهم يفتحون الباب أمام مسار آخر أكثر قوّة وفعالية ضدّ النظام الاسدي. في الحالتين الشعب السوري سيربح والنظام الأسدي سيخسر. الفرق هو في حجم التضحيات ومدّتها.

ما يشجع على التفاؤل والتأكيد بأن الشعب السوري سيفوز، ان مأزق النظام الأسدي ليس محصوراً في عمل المراقبين. المراقبون أمامه والمبادرة العربية خلفه، فأين المفر؟ إذا نجا من المراقبين، فإنّ عليه مواجهة المبادرة وأولى شروطها وقف العنف وهو غير قادر عليه، وإطلاق سراح المعتقلين وهم بعشرات الألوف، وإجراء انتخابات حرّة. تأخَّر هذا النظام كثيراً عن الحل وهو اليوم أكثر من الأمس غير قادر على الحل السياسي. أول شروط هذا الحل أنّه لا يوجد رئيس إلى الأبد، وثانيه استمرار هذا التزاوج بين السلطة والأخطبوط العائلي المالي.
الشعب السوري فاجأ نفسه قبل العرب والعالم بتصميمه وتضحياته وصموده ضدّ النظام الأسدي الاستثنائي في قمعه. هذه المفاجأة لم تقع من فراغ. نفاد صبر السوريين من التغيير والإصلاح زائد منسوب القمع الأسدي، أنتج هذا التطوُّر. كل المجتمعات العربية شريكة في نفاد صبرها من النظام العربي الذي هيمن وصحّر العالم العربي، عوامل أخرى لعبت دوراً أساسياً ومحورياً في نضوج الأوضاع في الدول العربية.
الفايسبوك وسيلة تعبير على مستوى العصر. الغليان والغضب اللذان ملأا الفايسبوك، هما صنيعة شباب مؤهّل وعاطل من العمل ويائس من التغيير والتطوير. السرقات المنظمة والمقوننة للثروات العربية، دفعت هذا الشباب نحو الانفجار واكتساح الساحات والميادين رغم الكلفة العالية جداً لثوراته. أهم ما في ثورة الفايسبوك، أنّها جسَّدت رفض الشباب العربي لاستيراد الديموقراطية. الدبابات لا تصنع الديموقراطية سواء جاءت من الثكنات أو بالطائرات والمدمّرات. الفايسبوك فجَّر طاقات الشباب لكنه لم يصنعها ولم يلد قيادات، الذين يعتقدون أنّ الثورات تنتج مجتمعات ديموقراطية بسرعة الدبابات التي تلد مجتمعات مقموعة على خطأ، سواء في مصر أو في ليبيا وغداً في اليمن وبعد غد في سوريا، يلزم الكثير من الوقت والصبر. الثورة الفرنسية وُلدت بدون قيادة، الأحداث صنعت القيادات. أيضاً قيل إنّ تدخل عصر الجمهورية، عادت فرنسا إلى الملكية فالامبراطورية.

لا يمكن قياس الثورة في سوريا بالثورة في تونس مثلاً، بورقيبة أقام نظاماً هجيناً. أنتج مجتمعاً مدينياً لم يستطع القمع في إلغائه. في سوريا زحف السلطوية الريفية على المجتمع المديني، قيد المجتمع في دمشق وحلب عن الحراك ولو إلى حين. أغرب ما في النظام الأسدي أنّ الريف لم يستفد من الزحف على السلطة، بالعكس تضرّر أكثر لأنه شاهد على نمو طبقة غاصبة للسلطة لم تحسب له حساباً، لذلك ثورته مستمرة حتى استعادة حقوقه.
يبقى لبنان في وسط هذا “الربيع”، مهما نأى بنفسه عنه فإنّ له حصة الأسد من قطافه. قد يعاني لبنان من ارتدادات ما يحدث في سوريا. لكن من المؤكد أن قلع “أنياب” الأسد يخفّف عنه فكيف إذا دفع ثمن أربعين سنة من تصحير سوريا واللعب بنار لبنان والعراق وفلسطين. أليس من سخريات الزمن أن يعيش النظام الأسدي، بعيداً عن معاناة الشعب السوري التي لا يستحقها، ما جعل لبنان يعيش مع اللجان وهيئات المراقبة وقرارات الجامعة وممارسات العقداء والألوية؟
2011 كان عاماً من الخير على العرب، لأنّه زلزل النظام العربي. مهما كانت الولادات صعبة ومؤلمة، فإنّ التغيير يستحق التضحيات. عام 2012 واعد، لأنّ أبوابه مفتوحة على التغيير الكبير.

السابق
العميد الدويهي: انفجار الكسليك ناجم عن تسرب في قساطل الغاز
التالي
رصاص في عين الحلوة بصيدا ابتهاجا بإطلاق المتهم بقتل أحد مرافقي اللينو