ماذا يفعل هؤلاء المتطرفون الخطرون؟

ينكشف بسرعة اننا امام أهم المعارك التي تفرضها علينا الديموقراطية: المواجهة مع النمط الاكثر أصولية بين الاصوليات التي تلتهم مجتمعاتنا المأزومة.

كشفت الديموقراطيةُ في مصر السلفيين امام النخبة الاعلامية الثقافية السياسية القديمة والشابة. بمعنى أن هذه النخبة ذات التكوين الليبرالي اليساري العلماني بما فيها الشريحة المحافظة أخذت تتدرب على مشاهدة ومحاورة التيارات السلفية في الظروف الجديدة بعد ثورة ميدان التحرير في 25 يناير وعبر ذلك أخذت تتعرف على أفكارها وممارساتها الفعلية.
… لقد بدأت إذا الصدمات:
أكبر هذه الصدمات موقف جدي من حزب سلفي، بعدم جواز، وبالتالي بعدم المشاركة في، تهنئة الاقباط المصريين بأعياد الميلاد ورأس السنة.
هل انتبهت عزيزي القارئ الى ماذا تقرأ وأي كلمات: عدم تهنئة المسيحيين بالاعياد!نعم تطرف بل توحش لا سابقة له بهذه الدرجة من العلانية في الحياة العامة المصرية. ولا طبعا في الحياة العامة المشرقية ولا يمكن تصور حصوله أصلا في المجتمعات الشامية والعراقية.
مصدر الحدث الجديد اعلان رئيس “حزب الأصالة” السلفي موقفا بعدم جواز تهنئة المسيحيين او مشاركتهم بأعيادهم “ترجمه” آخرون من السلفيين بتشاطر مفضوح: لم يعلنوا الموافقة على الفتوى ولكنهم قرروا عدم تلبية الدعوة العامة التي أطلقها البابا شنودة للمشاركة.
هكذا يُمزّق هؤلاء المتطرفون الخطرون في النسيج المصري.
إنها ثقافة تستفيق النخبة المصرية مجددا على هولها وكان يكفي كعينة قبل أيام ان نشاهد وجه احد أبرز مقدمي البرامج على “قناة دريم” كيف بدا مذهولا وهو يستمع الى قيادي سلفي يتحدث عن هذا الموقف لنقدر هول هذا الجانب من التحولات المصرية الذي تكشفه الديموقراطية… وفي النتيجة أن تكشفه أفضل من بقائه خافيا ايا تكن بشاعة الصدمة.
ماذا تفعل هذه الثقافة الانقطاعية بمصير المجتمع المصري؟
أقل ما يقال إنها تُحوّل التعايش الى مهمة مستحيلة. وهذا تحدٍ من نوع جديد فعلا على العلاقات الطائفية في مصر حتى قياسا بالمشاكل السابقة التي كانت ولا تزال تشهد عنفا طائفيا. فهنا مصر – ومعها نحن في المشرق – امام تقليد جديد تماما باسم “السلف” اي باسم القديم “الصافي” وهو طبعا قديم وهمي في مخيلة هذه التيارات البن لادنية ثقافيا وبالتالي القاتلة ثقافيا عندما تصبح العلاقات التعايشية مستحيلة بهذا الشكل.
هكذا ينكشف بسرعة اننا امام أهم المعارك التي تفرضها علينا الديموقراطية: المواجهة مع النمط الاكثر أصولية بين الاصوليات التي تلتهم مجتمعاتنا المأزومة.
انها معركة تجعلنا نفهم الاهمية السياسية لعراء علياء المهدي وقيمته الثقافية الجادة حتى لو كنا غير موافقين على هذا الاسلوب. لكن فرادة الاسلوب بل فجاجته لا تلغي جديته. فما فعلته علياء المهدي هو احتجاج متطرف جدا وحتى مزعج على انكماش اجتماعي اصولي خانق.
لكن دعونا نطرح السؤال بسرعة: من هو الاقل احتشاما… الشابة التي تعرّت من ثيابها ام صاحب الرأي المتوحش بعدم تهنئة المسيحيين باعيادهم؟
في رأي عديدين، وكاتب هذه السطور بينهم، كان في عراء علياء المهدي (المسلمة) الذي لا يقبلون به فضيلة عميقة اين منها الشر الذي يستطير من فتوى “فضيلته”!
لكن قضية التعايش في مصر تتخطى طبعا موضوع علياء المهدي التي هي تفصيل فيها. ويجب القول بدون اي تردد إنها لا تمس الاقباط وحدهم بل كل نسيج المجتمع المصري اي النسيج التعددي لأكثريته المسلمة. وهي تطال مباشرة كما سبقت الاشارة كل المجتمعات العربية وصورتها عن مستقبلها.
طبعا استهول كثيرون في مصر هذا الموقف وجرى رفضه من مقامات دينية عالية أولها مفتي مصر، وسياسية اولها “الاخوان المسلمون” وهذا اكثر من طبيعي. غير ان الحدث نفسه مؤشر على التعقيد الفائق للزمن الثوري الفعلي الذي دخلته المنطقة.
… وليس ما هو أكثر الحاحا من هذه القضية لدخول العام 2012.

السابق
النهار: سليمان تمنّى سنة جديدة للحوار والاستقرار وعرض مع السفير السوري الخروق الحدودية
التالي
الجمهورية: سليمان أثار مع علي ضبط الحدود وريفي ..لا معطيات لدخول قاعدة