العرس فلسطيني والزلغوطة إلكترونية

منذ أن "اخترقت" شبكة الانترنت حياة الفلسطينيين، ومنحت لهم وسائل التواصل اليومي والمجاني والسهل، خلقوا لأنفسهم "فلسطينهم الخاصة" التي يعيشون فيها كيفما أرادوا. هذه "الشبكة" الممتدة من الداخل الفلسطيني المحتل إلى الضفة الغربية وغزّة المحاصرة إلى الشتات، سمحت للكثيرين ممن لم يروا مدنهم وقراهم التي أرغم أهاليهم على تركها، أن يروها من خلال أعين الأصدقاء الذين صوّروا البيوت والأشجار، وسجّلوا أصوات العصافير في سماء حيفا، وقرأوا نصوصاً لأصدقائهم اللاجئين في أمسيات عديدة. تواصل يومي نتجت عنه علاقات صداقة، تحوّل بعضها إلى قصص حب فلسطينية، أثمرت زواجا أو ارتباطا مستمرا.

على "الشبكة"، وتحديدا على موقع "تويتر"، تدوينة صغيرة حول زفاف يقام في غّزة: لينا ومحمد قرّرا الزواج بعد قصة حب افتراضية ستكتمل مراسمها من خلال نقل الأصدقاء المشاركين تفاصيل حفل الزفاف مباشرة على الموقع الالكتروني نفسه.
لينا الشريف (23 عاماً)، مدونة فلسطينية من غزّة تحمل مدونتها اسم "مباشرة من غزة"، اعتادت أن تكتب دائماً عن تفاصيل حياتها تحت الحصار، إلاّ أنها قررت مؤخرا نشر تدوينة تحكي فيها قصة حبّها الفلسطينية وقصة زفافها الذي أقيم في تشرين الثاني الماضي. تقول: "سوف أتزوج الآن، وقد حان الوقت لمشاركة قصة حياة، قصة حبّ وقصة فلسطينية".

تحكي أن قصة حبّها مع محمد (فلسطيني يقيم في الدوحة) لا تعرف الحدود، لا الحاضر، لا الوقت ولا الاحتلال. قصة بدأت من خلال نقاش عبر "تويتر" حول الصوت الذي سُمع في إحدى الليالي، إن كان صوت قنابل إسرائيلية أو مجرد صوت رعد.
بدأت علاقة لينا ومحمد كأصدقاء تشاركا اهتماماتهما، ثم صارا ينشران "تغريدات" حول قضايا عديدة؛ من غزة المحاصر إلى الثورة المصرية وميدان التحرير. وبعد إجرائهما محادثات مباشرة عديدة، "أونلاين"، صارا صديقين عزيزين، تجمع بينهما محادثات طويلة عن فلسطين وعن العالم وعن الأحلام المستقبلية التي أوصلتهما إلى إيمان بأنهما يستطيعان أن يبنيا مستقبلاً مشتركاً لهما.محمد كان غادر غزة قبل أن يتعرف إلى لينا بأيام قليلة. ولم يلتقيا إلا في أيلول /سبتمبر الماضي في جنوب أفريقيا (محمد فلسطيني يحمل جنسية جنوب أفريقيا)، حتى عندما خطبا في نيسان/ أبريل الماضي، لم يكونا معا. لينا تقول في تدوينتها إن الربّ جمعهما من خلال وسائل الإعلام الجديدة التي استخدماها للتواصل: "تويتر"، "وورد بريس"، "فايسبوك" و"جي تشات"، وفي ما بعد الـ"سكايب". وقبل أيام، أقيم زفاف لينا ومحمد في غزّة مع بث مباشر عبر "تويتر"، في المكان الأول الذي بدأت فيه قصة حبّهما.
لا شك أن الحياة في غزّة أكثر صعوبة من العيش في سواها من المدن. فالقطاع محاصر منذ سنوات عديدة، ولا يسمح لأهله بالتنقل. لذا، شكّلت شبكة الإنترنت متنفساً للشباب يسمح لهم بالخروج من القطاع، ولو افتراضياً، للالتقاء بالأصدقاء و"أشقاء الروح".
شادي وياسمين (أسماء مستعارة) من غزّة. شادي يعيش في القطاع وياسمين غادرت المدينة المحاصرة إلى أوروبا قبل 4 سنوات. ومنذ ذلك الحين، "يمارسان" قصة حبهما من خلال الـ"سكايب". "نشكر الله عنا سمارت فون"، يقول شادي لـ"شباب السفير".

خلافاً للينا ومحمد، تعرّف شادي وياسمين إلى بعضهما البعض أثناء إقامة ياسمين في غزة، إلا أن ظروفا خاصة دفعت بالعائلة للانتقال إلى أوروبا. لكن ياسمين ظلّت تتواصل مع شادي، كصديقين بداية، ثم نشأت بينهما علاقة حبّ.. عبر الـ"سكايب".
لم يكن الأمر سهلاً عليهما بداية، "إحنا الاتنين عمليين ومش عاطفيين"، تشرح ياسمين موضحة حاجتهما إلى تواصل عملي وليس فقط عبر الإنترنت، إلا أن هذه العلاقة مستمرة لغاية يومنا هذا، وكانا قد التقيا في الصيف الماضي في غزة بعد 4 سنوات من البعد. "كنت أشوفه ولد صغير قبل ما أسافر، وغبت عنه 4 سنين رجعت لقيته زلمة"، تقول الفتاة التي لا تغيب روح الفكاهة عن حديثها مع شادي وعنه.
وتضيف ياسمين أنه بالرغم من البعد الجغرافي بينهما، شكلّ لقاءهما الأخير في غزة صدمة إيجابية، وذلك نتيجة العلاقة التي أجرياها عبر الانترنت، والتي تميزت بوضوح وشفافية سمحا بالتعرف على بعضهما البعض. لكن، "طبعاً اللقاء وجهاً لوجه إله طعم تاني". ومع ذلك، تصف ياسمين الـ"سكايب" بأنه "بيتهما"، الذي أتاح اللقاء وفرصة العيش معا، ساعة بساعة، وإن كان ذلك البيت افتراضيا، كما يشرح شادي.
وتلخّص ياسمين أزمتها مع ممارسة العلاقة عبر الـ"سكايب" بأزمة انقطاع الكهرباء عن غزّة، "ولما بنيحبس شادي، ما بعرف عنه إشي". وترى أن أصعب ما في هذه العلاقة، هو عدم قدرة الـ"سكايب" وغيره من وسائل التواصل، على نقل حقيقة ما يمرّ به كلّ منهما يومياً، خاصة في الأيام الصعبة التي تشهدها غزة المحاصرة: "ما بقدر أحس بحجم المشكلة من خلال الانترنت"، تقول ياسمين.

أما عن مستقبلهما المشترك، فسوف يرتبطان رسمياً خلال العامين القادمين. "قراراته الأولى إنه أنا أجيله لأنه هو ما بتحرك"، تقول ياسمين. ويقاطعها شادي ساخراً: "إحنا قررنا نعيش بزيمبابوي". ومن ثم يقتبس مقولة الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني: "اللي بيوخدوا بلاده، كلّ الدنيا بلاده"، مضيفا أنه كفلسطيني لا يعرف أين سيعيش في المستقبل. لكن ما يسعف ياسمين، برغم كلّ شيء، وحسب تعبيرها "إنو شادي يقولي آخر الليل، وعلى السكايب، إنه بحبّني".  

السابق
استحداث ممرات لتلامذة مخيم البرج الشمالي
التالي
مروان شربل: لن يمر على لبنان أصعب من هذه المرحلة