الأسير..والمسرحية الممنوعة..وشجرة الميلاد المكروهة في صيدا

شكلت التطورات السياسية المتلاحقة التي شهدتها صيدا في العام 2011 نقطة تحول استراتيجية في تاريخ المدينة القريب والبعيد وفي حاضرها. وكان الحراك الاسلامي هو الطاغي على طابع المدينة العام في هذا العام، وعلى حساب كافة المكونات السياسية والاهلية والاجتماعية سيما على حساب الجهات العروبية والقومية التي كانت تفاخر وتعتز بانتماء المدينة التاريخي الى التراث السياسي القومي العربي والى تيار المقاومة والى انتمائها الى الجنوب كعاصمة للمقاومة وبابتعادها عن المذهبية..
هذا الحراك اثر في حسابات الجهات السياسية «المستقبلية» التي تعتبر نفسها معتدلة واخذ من رصيدها الشعبي والسياسي شاءت أم أبت، وصولاً الى القوى الاسلامية الاخرى التى لا تتخذ من السلفية منهجاً لها والتي لا ترغب في ان تصبح محشورة الى حد ما بهذه الظاهرة التي خرجت من عباءتها ورفعت لافتاتها المنفردة وشقت طريقها في المدينة بعيدا عنها.
هذا الحراك ظهر الى العلن من خلال المواقف التي عبر عنها الشيخ احمد الاسير (امام مسجد بلال بن رباح) عبر تنفيذ الاعتصامات واللقاءات والمسيرات ضد النظام السوري معلنا تعاطفه وتأييده المطلق مع الثورة السورية. هذا مع العلم ان المدينة ومن خلال التموضعات والمكونات السياسية التي كانت قائمة فيها بين تيار يقوده التنظيم الشعبي الناصري ومعه الاحزاب والقوى الوطنية والاسلامية اللبنانية وصولا الى الدكتور عبد الرحمن البزري وما يمثل من حالة في المدينة وانتهاء بهيئات صيداوية من جهة وتيار المستقبل ومعه الجماعة الاسلامية وهيئات صيداوية اخرى كانت تحافظ على اتفاق ضمني على تجنيب المدينة والنأي بها عن اية تداعيات او حساسيات مذهبية او مناطقية وحتى اقليمية الى حد ما وتحديدا الابتعاد عن اي شيء يسيء الى النظام في سوريا، حتى ظهر الشيخ احمد الاسير الذي اخرج المدينة عن هذه الثوابت والمسلمات فتوترت صيدا إلى ان تدخل العقلاء ليعملوا على التهدئة.

ولم يقتصر هذا الوضع على الشيخ الاسير بل تعداه الى الجماعة الاسلامية وهي جهة توصف بالمعتدلة ومتحالفة مع الفريق السياسي المعتدل ولها ممثلون في البلدية وفي جمعية التجار وفي اكثر من هيئة واطار في المدينة، ليأتي تدخلها واضحا ومستغربا في حدثين صيداويين بارزين في أواخر هذا العام هما موضوع تعليق شجرة الميلاد وعرض مسرحية سياسية فكاهية.
ويدور نقاش يومي وجاد بين مختلف مكوناتها وهيئاتها على تنوعها السياسي والديني والاقتصادي تحديدا حول الحال الذي آلت اليه المدينة في ظل هذا «الوضع». والنقاش يتركز على السبب في ان «يكون موضوع رفع شجرة الميلاد في ساحة النجمة قد استغرق كل تلك الاتصالات واللقاءات التي سبقت رفعها مع العلم ان تزيين المدينة بمناسبة عيدي الميلاد ورأس السنة كان تقليدا سنويا وعرفا تعتمده المدينة من عقود، وهي ظاهرة معروفة في تاريخها نظرا الى وجود مسيحيين صيداويين هم من اصل نسيج صيدا وتنوعها الديموغرافي منذ مئات السنين اضافة الى وجود كل كنائس الطوائف المسيحية فيها كصروح دينية عريقة وتاريخية فيها عدا عن التواجد المسيحي في القرى المحيطة بصيدا في شرقها وجنوبها وشمالها.

كما ان النقاشات تتمحور حول ما «اذا كان عرض مسرحية نقدية فكاهية ساخرة تتناول الاوضاع السياسية بقالب كوميدي هزلي» استغرق كل هذا الجدل الصاخب في المدينة ومن خلال الاعلام بحجة ما تطرحه غير ملائم للبيئة الصيداوية لناحية الحشمة والكلام النابي واللباس والجو الاسلامي بشكل عام» وقد ادى هذا التدخل من قبل جهة اسلامية معروفة ومن قبل عدد من رجال الدين الى نقل مكان عرض المسرحية والى حذف بعض الفقرات من نصها.
كل ذلك يحصل وعدد من القوى السياسية التاريخية او تلك القوى التي تعتبر نفسها معتدلة لا تحرك ساكنا في العلن وعبر الهواء مباشرة؟ وما لوحظ ويلاحظ فعلا ان تلك القوى سيما التي تعتبر نفسها معتدلة قد تدخلت انما في السر وضمن الغرف المقفلة وبعيدا عن الاعلام في موضوع تعليق الشجرة لجهة رفعها او في موضوع عرض المسرحية لجهة فتح قاعة مسرح احدى المدارس الرسمية لاستقبال عرض المسرحية؟ في المقابل سجل صمت بقية القوى السياسية عن الحدث.
وهناك اسئلة عديدة حول اسباب غياب تلك القوى السياسية التاريخية وسر صمتها مع انها المعنية بما يحصل وانه اذا كان هناك بساط يسحب من تحت الاقدام فان تلك القوى هي المعنية بسحب ذاك البساط بالنظر الى موقعها القومي العربي والى تحالفاتها داخل لبنان مع خط المقاومة وخارج لبنان مع دول الممانعة.

وتكر سبحة التساؤلات في المدينة من نوع «هل صيدا تتحمل كل هذا الشد العصبي والتوتر السياسي والمذهبي والطائفي والمناطقي وكل هذه التحولات دفعة واحدة من دون الاخذ بعين الاعتبار ردة فعل الاخرين على ما يطرح؟ وانه كيف ستكون مدينة جاذبة للاستثمار وتتفاعل اقتصاديا وصناعيا مع محيطها جنوبا وشرقا وشمالا في ظل هكذا اجواء؟ وكيف سيكون الوضع اذا قرر الاخرون تجنب المدينة ومستشفياتها ومدارسها وجامعاتها او الابتعاد عنها كسوق وحركة بيع وشراء او كمنطقة جذب تجاري واستثماري واعتمادها فقط منطقة عبور إلى العمق الجنوبي او العكس.
وهناك من يطالب بعقد مؤتمر صيداوي عام يجمع كافة مكونات المدينة السياسية والدينية والحزبية والاقتصادية والشعبية وهيئات المجتمع المدني من اجل الاتفاق على خريطة طريق ترسم «اي صيدا نريد واي دور لهذه المدينة واي وظيفة».  

السابق
مستخدمو الليطاني رحَّبوا ببدء تنفيذ ري الجنوب على المنسوب 800
التالي
الاستنكار ضد الاعتداءات في صور