أيها السياسيون أبدأوا معنا

لأن ذات البشر بين محضرين، محضر الأمل ومحضر الأجل، فإن لكل مغنمة ومغرمة، بين السلب والايجاب، وكلاهما نحو باب موصل الى حقيقة المآل من الاعمال، وان الله قد حكى لنا وقفة لذات البشر على حد اعمارهم بعض مضي ترحالهم من هذه الدنيا، وهم على صفين من الجنة والنار، كل شيء يوحي بالاضطراب والانقياد لقانون انتهت عنده الظنون وحلّت عليه مراسم الديون وسط ساحة القيامة الابدية، فها هي جموع بني الانسان على محلّها من بعثها، وقيامها بعد مكثها، والآليات بينات، والاهوال منصوبات، وكل ما في الخلق ناظر.

ها نحن اليوم، نطوي العمر العزيز على محط السنين، فنبرح من الطفولة الى الكهولة، ومنها الى اعتاب الموت، لنبدأ رحلة العالم الجديد بكل ما فيه من يقين وجزاء، وقد ورد في الاخبار ان العبد إذا انزل الى ملحودة قبره جاءه الملك فكشف عن عينيه، وأخذ ببصره الى دنياه، فيرى لحظة ولادته، ثم تقلّبه بين يدي والديه، ثم طفولته وما تراكم عليها، حتى آخر لحظة من عمره، فيبكي فيلتفت اليه الملك ويقول له: ايها العبد الذي انقطعت عنه دنياه وحضرت عليه آخرته ماذا فعلت بأمانة الله من عمرك؟ فيبكي العبد، فيفتح الملك عليه زاد ايامه، فإن مر بحسنة استبشر، وإن مرّ عليه بسيئة بكى وتحسّر، فعندئذ يتمنى الناس لو انهم يعادون الى الدنيا حتى يتزودوا، ولكن هيهات لو ترك القطا لنام.
وها انتم عباد الله على محضر من دنياكم، وعلى موعد من اعمالكم، وحساب الدنيا أهون من حساب الآخر، فحاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا، وزنوا اعمالكم قبل ان توزن عليكم، ولأننا على مدرجة العمر، وفي لحظة حاسمة من سنة مثقلة بالمشكلات قد افلت، وعلى اعتاب سنة جديدة فمن المهم ان ألفتكم الى كون العمر عزيزاً على الله، فهذا يعني ان عليك ايها الانسان واجباً ثقيلاً لا يصح معه الاعتذار بفقر او ضعف او خوف.

ومما يترتب على هذا المعنى ان نؤسس لهذا العمر بحياتنا الاجتماعية والمسلكية بما يتفق ويوم الله الاعظم، فهذه الدنيا سوقان، سوق للمكارم وسوق للخبائث فأسرع بها الى سوق الله، واشدد زمامها عن باطلها، وكما ان الصبر على الفقر والضعف عبادة، فإن الصبر على الظلم حرام، وكما ان عقل الذات على الحقيقة واجب، فإن التصديق او الترويج لتجار التنجيم خاصة في ليلة رأس السنة هو سفاهة وخبث وحرام، بل من اعظم الآثام عند الله تعالى، واعلموا ان من يعطل عقله، او يعتقد ولو لهوى اورغبة باستماع هؤلاء، فقد عاند الله تعالى، وتخلف عن ركب السماء، ونزل على سفاهة ظاهرة، وذلّة باطلة، وقد قيل من لم يؤتمن على نفسه كيف يؤتمن على غيره، فإياكم وهذه الخفّة المذلة للإنسان الكريم على الله تعالى. يجب ان تتذكروا جيداً ان هذا العمر بكل قواه وإمكاناته امانة، انتم عنها مسؤولون وهي جزء من حصيلة الميزان يوم القيامة امام الله تعالى، فتنبه جيداً ايها الانسان وتمكّن من وظيفة ذاتك في كل الحقول فكما ان محبة الظالم محرمة فإن محبة المظلوم واجبة، وكما ان هدم النظرية الاخلاقية اللازمة لطموحاتنا الانسانية حرام فإن المشاركة في التأسيس للقيم الاخلاقية واجب.إن واجبنا الرئيسي يجب ان يتكرس على نظرية الانسان المسؤول امام الله، تأسيساً ودعماً وبذلاً واجتهاداً. فمن غير المقبول ان تتحول مجتمعاتنا الى مرتع لأهل الهوى والفساد والإفساد.
إن الله تعالى أوجب علينا ان نكرّس محور ادوارنا واعمارنا في اطار مفهوم العبادة بكل ما للمعروف من قيمة ودعم، وما للمنكر من فساد وإنكار، فاتقوا الله في هذه الايام والليالي فإن العمر غفلة وما ادراك ما الغفلة!
إن المؤشرات على سوداوية المرحلة تنبئ بأننا امام الامتحان الصعب، وعلى منعطفات اكثر خطورة، ما يعني اننا ملزمون جميعاً في انتقاء المواقف بدقة متناهية حتى لا تخرج عن المألوف، والأمانة في المسؤولية تفرض على القيادات السياسية حصر اهتماماتها في الاطار الوطني الصحيح الذي يخرج لبنان من دائرة الضغوط الخانقة، وفي الكيفيات التي تخفف عن اللبنانيين هذا الكم الهائل من الهواجس الامنية والمعيشية والاقتصادية.

وفي هذا السياق، لا بد من توجيه السؤال لحكومتنا عن بيانها الوزاري وعن انجازاتها وواجباتها تجاه العمال والمزارعين والموظفين؟ وماذ عن مرسوم تصحيح الاجور؟ وما هو سر هذه اللعبة الخفية التي تمارس بين مجلس الوزراء ومجلس شورى الدولة، والهيئات الاقتصادية ونقابة العمال، إنها معركة داحس والغبراء لا تنتهي، فالناس في انتظار مصيرهم، بينما السياسيون يتخيرون ارقى واغنى مراكز اللهو والترف في الداخل والخارج. الناس يقرّسهم البرد والسياسيون يجتهدون في سجالاتهم وصراعاتهم الكيدية ومنازعاتهم على منصب من هنا ومغن من هناك، فترام يحصدون كل شيء الاخضر واليابس، الغث والثمين، حتى لقمة عيش المواطن اصبحت تحت مرمى سهام العديد من هؤلاء السياسيين الذين اعتلوا المنابر واستأثروا بالمواقع.
هذه الصورة تزداد بشاعة وتشوهاً على الرغم من كل النداءات والصرخات، فلا حياة لمن تنادي، إنه استهتار بمصير بلد، بمصير شعب اصبح يعيش الانقسام والطائفية والمذهبية على نحو مخيف، ايها السياسيون ما هو مصيركم ومصير كل ما تجمعونه وتكسبونه؟ وماذا ستفيدكم كل الارصدة وكل الارقام المالية النقدية وغير النقدية، إذا تهاوى البلد وسقط في المتاهات؟

لقد طفح الكيل وبانت السوءات كلها، لا نريد منكم عفة ولا تعففاً، نريد منكم قليلاً من الحياء وقليلاً من حركة ضمير لعل في ذلك بصيصاً من امل، وباباً يفتح في جدار المآزق التي صنعتموها وبها حاصرتم بلدكم، وطوقتم شعبكم فأدخلتمونا وادخلتم انفسكم في انفاق لا مجال للخروج منها طالما هذه السانفونية السياسية مستمرة وطالما هذه الخلافات على جنس الملائكة قائمة، اين التعيينات ايتها الحكومة؟ وعلى أي اساس سيتم تطبيقها؟ هل بإعتماد الكفاءة وعلى قاعدة «الرجل المناسب في المكان المناسب»! أم ان القضية ستبقى قائمة على قاعدة المحسوبيات والأزلام والزبائن؟ أين الموازنة؟ وأين الإنماء؟ أين الامن الاجتماعي؟ أين المشاريع والاستثمارات التي تؤمن فرص العمل؟ أين الكهرباء التي رصدت لها الاموال؟ أين الرقابة على الأسعار؟ أين المحاسبة؟ أين الملاحقة لكل المفسدين والمختلسين. إننا نعيش عصر الازمات، أزمة سياسية، وأزمة اقتصادية، وأزمة وطنية ومواطنية، وأزمة اخلاقية تكاد تقضي على كل المعايير وتتجاوز كل الحدود، كل ذلك بسبب هذه الذهنية السياسية العفنة التي لم تعد موجودة إلا في الدول الساقطة، فهل هذا ما تريدونه لبلدكم وشعبكم ولدولتكم؟

نقطة على السطر ايها السياسيون، وانتم في بداية عام جديد، فأبدأوا معاً ولو بخطوة صحيحة واحدة على طريق اعادة بناء البلد وتجنيبه الخضات الكبرى، ومن دون اقصاء احد او ابعاد احد، وتنادوا الى حوار حقيقي، تحت عنوان انقاذ البلد واخراجه من معمعة التحديات وإبعاده عن ساحة التجاذبات الاقليمية والدولية، وعدم إقحامه في لعبة المحاور والاصطفافات التي قد تكون مكلفة ومنذرة بأفدح العواقب، تشاركوا معاً وابحثوا في قانون انتخابي عصري وعادل تتمثل فيه جميع مكونات هذا البلد، اعملوا على الغاء الطائفية السياسية، جاهدين في إقفال هذا الباب الذي يشكّل باباً من ابواب الفرز الطائفي والمذهبي، معتمدين خارطة طريق واحدة، معالمها ظاهرة ولية، وثوابتها وطنية بامتياز، يتعاهد ويتشارك الجميع في تطبيقها والالتزام بها، اخرجوا من هذه الألاعيب والبازارات السياسية، وبالخصوص من لعبة العداء لسوريا والرهان على سقوطها، فسوريا شقيق وشريك في المسار والمصير، ما يضيرها يضير جميع اللبنانيين مسلمين ومسيحيين، فعدو لبنان واللبنانيين الوحيد هو اسرائيل، والى الذين يحاولون المساواة بين سوريا واسرائيل من خلال بعض الحوادث التي تجري على الحدود اللبنانية السورية، ويعملون علىاستغلالها وتوظيفها في مجلس الامن ملوحين بالمطالبة بقوات دولية وعربية تحت حجة السيادة وحماية الحدود، نقول لهم بل ننصحهم بعدم مقاربة هذا اللعبة الخطيرة واسقاط هذا الرهان من ذهنياتهم وحساباتهم لان ما نراه في ما يسمى بالربيع العربي نخشى ان يتحول برعاية وادارة اميركية – صهيونية الى زلزال يقلب المنطقة رأساً على عقب ويدخلها في فتنة لا تبقي ولا تذر.

السابق
الجيش: لعدم إطلاق نار في رأس السنة
التالي
الامام الصدر !!