في مقابلة أجرتها معه «شؤون جنوبية» قبل وفاته نزار الحر: «مرتاح ونلتُ ما أستحقه»

نزار الحر
فقد عالم الشعر والاغنية العربية الشاعر نزار الحر الذي توفي بعد معاناة مع المرض، ووري في الثرى في جبانة بلدته جباع الحلاوة، الحادية عشرة قبل ظهر اليوم. والراحل عضو في اتحاد الكتّاب اللبنانيين والمجلس الثقافي للبنان الجنوبي، ورئيس فخري لجمعية المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى في لبنان.

حاز الراحل اوسمة الاستحقاق الوطني والارز الوطني من رتبتي فارس وضابط، ودرع قائد الجيش اللبناني ودرع “مؤسسة الوليد بن طلال” ودرع جمعية الصليب الاحمر اللبناني وواضع نشيدها الخاص. وحاصل على ميدالية جمعية المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى العالمية في باريس عام 1986. عمل في الصحافة اللبنانية ومثّل لبنان في مهرجان الاغنية العربية في القاهرة. له عشرة دواوين شعر وكتاب لشعراء من القرن العشرين عرفهم لبنان والعالم العربي.

وهنا مقابلة اجرتها شؤون جنوبية مع الشاعر  نزار الحرّ في تشرين الثاني من العام 2009 كان قد أجراها معه الزميل أحمد ياسين وهذا نصّها
مسيرته الشعرية والفنيّة التي ما زالت متواصلة بزخم لافت بالرغم من تخطِّي عمرها اليوم، النصف قرنٍ من الزمان، هي الحافلة بعمقها وغناها. فالشاعر نزار الحر هو واحد من أولئك الشعراء العرب الذين كان لهم الفضل الأكبر في تكوين ذائقة فنيّة غنائية عربية معاصرة، أصيلة وتاريخية. فرصيده الإبداعي قوامه – حتى الآن عشرة دواوين مطبوعة، وامتاز بأن أغلب قصائده الغنائية توزعت بين أناشيد (غنَّتْها مجموعات) وأغنيات غنّاها كبار المطربين والمطربات اللبنانيين والعرب.
هنا شذرات من سيرة هذا الرجل، الذي كرّمته الشركة الفرنسية للمؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى (ساسيم) بمنحه ميدالية لمناسبة مرور 50 عاماً على عضويته فيها..
وُلد نزار الحر في بلدة “جباع الحلاوة” في الجنوب اللبناني. وكان الطفل المدلَّل لدى والديه لكونه أصغر أبنائهما سنّاً، أمضى مراحله التعليمية في بيروت في كلِّيتيْ “العاملية” و”المقاصد”. كان من المتفوقين في مادة الأدب العربي. وقد كتّبَ الشِّعر باكراً.
وباكراً أيضاً نشَرَ بعضاً من قصائده في بعض الصحف والمجلات اللبنانية. هذا إلى نشْره لاحقاً بعض القصص – أثناء مزاولته للعمل الصحافي لفترة قصيرة في الخمسينات من القرن الماضي – وبعض مقالات أدبية ومقابلاتٍ أجراها مع شعراء كبار كبشارة الخوري (الأخطل الصغير) وأحمد الصافي النجفي، ورشيد سليم الخوري (الشاعر القروي) وسواهم.

مناسبتان نادرتان

في عشريناته تلقّى الحرّ عرضاً – عبر أستاذه في كلية المقاصد الدكتور عمر فروخ – من مدير الإذاعة اللبنانية آنذاك، مفاده أن اللجنة الفنيّة في الإذاعة وبعد قراءة قصيدة منشورة له في إحدى الجرائد، ارتأت أن تقوم بتلحين تلك القصيدة وبثِّها بصوت مطربة أو مطرب عبر أثير الإذاعة. وافق الشاعر فوراً على هذا العرض الذي حصل بموجبه على مبلغ مالي محترم في عُمْلةِ تلك الأيام وقدره خمساً وثلاثين ليرة لبنانية.
وكان هذا بداية مشواره المعروف لاحقاً. والمناسبة المهمّة الثانية في هذا السياق بالنسبة للمسيرة الفنية للشاعر نزار الحر كانت بعد وقوع العدوان الثلاثي (الإسرائيلي – البريطاني – الفرنسي) على مصر في العام 1956. فعلى أثر هذا العدوان تلقَّى الحرّ دعوةً لمقابلة رئيس الديوان في الإذاعة وقتها: “وعندما التقيته قال لي: أقعد مكاني، فإني أُريد منك الآن كتابة نشيدين اثنين عن العدوان الثلاث. أفلا تقتضي الوطنيّة ذلك منَّا جميعاً، يا أستاذ؟” فجلستُ إلى مكتبه، وجِيءَ لنا بفنجانين من القهوة وعلى الفور كتبتُ نشيدين لحَّنهما بعد ذلك الملحن المرحوم حسن غندور وغنتهما المجموعة في الإذاعة، ودُفع لي لقاءهما المبلغ المقبول، وقد استمرّ بثُّهما إذاعياً لفترة طويلة في فترتي البث الصباحية والمسائية على السواء.
على أثر ذلك بدأ الشاعر عمله الفعلي في الإذاعة اللبنانية مراقباً للنصوص الإذاعية التي تُقدَّم إليها، باللغتين العامية والفُصْحَى. ومع بدئه لهذا العمل، شَغَل أيضاً وظيفة مدرِّس للغة العربية، لبعض الوقت في مدارس عدة في بيروت.

اسم لامع

منذ ذلك الحين بدأ اسم نزار الحر يلمع، لبنانياً وعربياً كشاعر، وكاتب أغنية مشهور (بالعامية والفصحى معاً) فكتبَ أناشيد عدة للإذاعة اللبنانية وأغنيات لمطربين عرب وأناشيد وطنية للإذاعة السعودية أيضاً. وقد أصبح له أصدقاء، من رجال السياسة والمسؤولين اللبنانيين ربطته بهم علاقات وديّة، “وبحكم هذه العلاقات عملتُ على قضاء حاجات للناس”.
وفي هذا السياق أيضاً ولاَّه الإمام موسى الصدر وظيفة في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى (في منطقة الحازمية)، وبعد مضيّ سنة من سفر الإمام إلى ليبيا، تفرَّغ الحر كلياً لعمله في الإذاعة.
طرفتان
ولمَّا كانت “جعبته” مملوءة طرائف مألوفة تستحق أن تُرْوَى وتدوَّن، سألته أن يروي لي شيئاً منها، فروى هاتين الطرفتين: الأولى تقول: “كانت تربطني صداقة متينة الأواصر بالشاعر الكبير المرحوم أمين نخلة، وكنتُ معجباً بمطربةٍ اسمها دلال، وأكتبُ لها، وفي ذات يوم وكانت دلال في دمشق لإحياء حفلة غنائية هناك، فسألني أمين مازحاً: كِيفْ قادر تقعد مرتاح ببيروت، وهيِّي (دلال) بالشام؟ فارتجلت له هذين البيتين:
“أنا أشتاقُ دمشقاً. وأنا أزدادُ عِشْقاً فدلال تتغنَّى ونزار الحرّ يَشْقَى”
والطرفة الثانية مؤداها: أنه “كنّا: الشاعر الكبير المرحوم عبد المطلب الأمين وأمين نخلة والشاعرة السورية عزيزة هارون وأنا، جالسين حول طاولة في مطعم “الإتوال” لصاحبه الشاعر الكبير المرحوم عبد الجليل وهبي، وإذا بجالسٍ إلى طاولة مقابلة لنا يرفع صوته فينا وقد تعتعه السُّكْر، قائلاً لنا: أريد أن أسألكم سؤالاً وأريد منكم جواباً فورياً عليه، فقال له أمين نخلة ساخراً: “تفضّل إسأل” فقال: “الله بيستطيع يفعل كل شِيْ، مش هيك”؟ وبعد أن أُجيبَ بـ”نعم” قال: “إلاَّ شِيْ واحد ما بيقْدِر يعملو”. فصرخ فيه أمين نخلة: “وشُو هوّي هالشِّي”؟ فقال: “ما بيقدر يُخرجني من مِلْكُو!؟، صح؟!!”، فغفر أمين نخلة فاه متعجباً وجَهَر بالقول: تعوا اسمعوا هالسكّير شو عم يقول”.

عاشق جباع

وعن علاقته القديمة والحالية بقريته قال الشاعر نزار الحر: عشقتُ جباع كقرية عشقاً لا يوصف، منذ طفولتي ولا أزال إذ إنني أحبّ كل ما فيها جملة وتفصيلاً، وما زال حبّي الشديد لها يتضاعف مع مرور الأيام بالرغم من تحوّلها إلى شبه مدينة.
وعن تقييمه الشخصي لمسيرته الفنية الطويلة مقارنة مع “فنّ” هذه الأيام، قال: “بالنسبة لي إنني مرتاحٌ بالمطلق لكل ما قدَّمتُه في مسيرتي الفنيَّة، أما بالنسبة لفنّ هذه الأيام فأصحاب المواهب من شعراء وملحنين ومغنّين أصبحوا معدودين جداً. وعن خلاصة تجربته الشخصية قال: “الحمد لله لقد نلت ما أستحقه من أوسمة وتقديرات على ما بذلته من جهود إبداعية، من جهات رسمية لبنانية وسواها.

نزار الحر

– هو الرئيس الفخري لشركة المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى العالمية (ساسيم) ومركزها باريس والحائز على ميداليتها وتكريمها. ولجمعية المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى في لبنان، وهو من مؤسسيها وحائز تقديرها. ولجمعية آل الحر الثقافية الاجتماعية وحامل درعها.
– عضو شرف في نقابة شعراء الزجل في لبنان وعضو نقابة الفنانين المحترفين.
– عضو اتحاد الكتّاب اللبنانيين، وعضو المجلس الثقافي للبنان الجنوبي.
– حامل الأوسمة التالية: “الاستحقاق اللبناني”، “الأرز الوطني من رتبة فارس”، و”الأرز الوطني من رتبة ضابط”.
– وحاز الدروع الآتية: “قائد الجيش اللبناني”، “مؤسسة الوليد بن طلال الإنسانية”، “جمعية الصليب الأحمر اللبناني” (وهو مؤلف نشيدها الخاص الرسمي)، “أفواج أمل والمقاومة” (وواضع كلمات نشيد حركة أمل الخاص). “وزارة الثقافة والتعليم العالي ولجنة تخليد عمالقة الشرق”.
– حائز شهادة تقدير من وزارة الثقافة والتعليم العالي في لبنان.
– واضع كلمات نشيد جمعية البرّ والإحسان الإسلامية لأبناء جباع.
– أسَّس في السبعينات مؤسسة “فيزيون” للاسطوانات والأفلام التلفزيونية.
– مثَّل لبنان في مهرجان الأغنية العربية (في القاهرة بتاريخ 4/9/2000) بعدما اختارته هيئة اتّحاد إذاعات الدول العربية عضواً في لجنة التحكيم. وحاز ميدالية جامعة الدول العربية واتحاد إذاعات الدول العربية.
– خص لبنان والجيش اللبناني والمقاومة الوطنية بأناشيد عدة وطنية وعسكرية.

السابق
حزب الله يعدّ ورقة عمل للمطالبة بميثاق وطني جديد
التالي
تدابير حدودية عاجلـة واتصالات بين بعبدا ودمشق