جنسيتي يتبرعن بالدم لساسة من دون دم

كان لحملة «جنسيّتي حقّ لي ولأسرتي» نشاط جديد مقابل وزارة الداخلية أمس، كثر خلاله استقدام مصطلح الدم. الدم ليس بمعناه الإجرامي، بل «الأمومي» الذي لم يعترف به وزير الداخلية مروان شربل. تبرّعت النساء بالدم لسياسيين خسروا دماءهم منذ زمن

جذبت لين هورنيك، الطفلة ذات الملامح الأجنبية، الإعلاميين. كانت تقف إلى جانب والدها الأميركي، حاملة لافتة ذات وجهين، عربي وأجنبي. تقول اللافتة: «أعطتني الحياة، أعطوني جنسيتها». تقف بهدوء رافعة لافتتها. دخلت لين حقل الاعتصامات باكراً، حالها حال أطفال كثر يعانون من انعكاسات جنسية الأم غير الممنوحة لهم. ولدت لين في لبنان وعاشت سنواتها العشر فيه. لماذا قد تحتاج فتاة أميركية إلى الجنسية اللبنانية؟ تريد لين ببساطة أبسط حقوقها. تدرك أنها عاجزة عن الدراسة أو العمل أينما أرادت، أو شراء منزل. اعتادت وعائلتها المشاركة في جميع الاعتصامات المتعلقة بالجنسية، ولا يبدو أنها ستيأس قريباً . تقول «إذا لم يتجاوب المسؤولون اليوم، فسيزداد عدد النساء المطالبات بحق منج الجنسية لأبنائهن».

في كل اعتصام ترى وجوهاً قديمة وأخرى جديدة. تخال أنك ستسمع القصص ذاتها. لا شك في أنها متشابهة، إلّا أن لكلّ سيدة حرقة خاصة تضيفها على القصة. كان لافتاً تنظيم حملة «جنسيّتي حق لي ولأسرتي» نشاطها مقابل وزارة الداخلية قبل ليلة رأس السنة بيوم واحد، في وقت يكون فيه معظم الناس مشغولين بالإعداد لسهرة استقبال العام الجديد. تشرح الناشطة في الحملة حياة مرشاد أن «النشاط جاء للرد على وزير الداخلية مروان شربل، ما اضطرنا إلى تنظيمه في هذا التوقيت، وقد تأخرنا أصلاً».
عنوان نشاط أمس كان لافتاً. والسبب بطبيعة الحال هو «إهانة» شربل للنساء. ركّزت الحملة على عناوين «دَمْها ودمّو لبناني!»، و«المرأة اللبنانية تعطي الدم ولا تعطي الجنسية»، ودعت النساء إلى التبرع بالدم لتأكيد أن رابطة الدم ليست للرجل فقط. حدثت «الإهانة» حين أقرّ مجلس الوزراء في جلسة الاثنين في 12 الشهر الجاري مشروع قانون استعادة الجنسية اللبنانية للمنحدرين من أصل لبناني، لكن بعد إدخال تعديل عدّه شربل «طفيفاً» ، تمثل في منح الجنسية وفقاً لرابطة الدم من الأب وليس الأم!صرخ المعتصمون «يا معالي الوزير، تعديلك منّو طفيف، تعديلك قاسي ومعيب… مهين». أصرّت إحدى السيدات على الحديث أمام الكاميرا. قالت «نريد التبرع بالدم لأن السياسيين من دون دم». وتساءلت «هل يخجلون بنا لأننا تزوجنا أجانب؟». أخرى رفضت حمل العلم اللبناني «لأنه لا يمنحني حقي».
شاركت أم جورج أيضاً في النشاط. خلال الانتداب الفرنسي، تزوجت حماتها رجلاً من مدغشقر. تزوجت (أم جورج) بدورها أحد أولاده راندي الذي لم يعرف مدغشقر في حياته ولم تشفع له والدته حتى اليوم في الحصول على الجنسية اللبنانية. توفي ابنها شربل في حادث سير، من دون أن يحصل على الجنسية. تقول «مات وحرقة الجنسية في قلبه». تعتصم أم جورج اليوم من أجل جورج. تزوج ابنها وأنجب بنتاً. يخشى إنجاب طفل آخر خشية أن يكون صبياً ويعاني معاناته!
حضرت الممثلة كارمن لبّس أيضاً للتبرع بالدم. ما الذي يدفعك إلى الاستمرار بالمشاركة في اعتصامات لا يعيرها المسؤولون أهمية؟ تعترف بأنها يائسة بعض الشيء، لكن «سأظل أشارك ما دمت موجودة في لبنان. وحين أقرر هجرانه، يكون قد مات كلياً في قلبي».

خلال الاعتصام، أعلنت الحملة رفضها «إهانة النساء واستمرار نهج التهميش حيالهن». ووجهت مجموعة أسئلة إلى شربل : «كيف يمكن أن يكون حرمان النساء المنحدرات من أصول لبنانية من حقهن في منح الجنسية لأسرهم، أسوة بالرجال، تعديلا طفيفاً، علماً بأن التعديل أجري لمنع النساء من هذا الحق؟ هل رابطة الدم اللبناني حكر على الرجال؟ كيف يمكن إقرار مشروع قانون بمثل هذه الأهمية بين ليلة وضحاها من دون نقاش عام جدّي في آثاره العميقة، وأن يمرّر هذا القرار في غرفة مغلقة؟
وتساءلت الحملة عن مصير مشروع القانون الذي قدمته إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي منذ خمسة أشهر ولم تتلق رداً حتى اللحظة. وأثنت على الإجراءات المؤقتة التي يمكن أن تحل مكان مطلب تعديل القانون، والتي بدأها وزير الداخلية السابق زياد بارود عبر «إقامة المجاملة»، والتي ترافق تطبيقها مع بعض الثغر. طالبت مرشاد النساء بترداد الشعارات بأعلى صوت عسى أن يتواضع شربل ويأتي إليهم. لكنه لم يأت.  

السابق
الحياة: رئاسة الحكومة لكل الطوائف وأي محاولة للنيل من صلاحياتها مرفوضة
التالي
أحد رؤساء المخافر