2012: دول النِصاب و دول الرُهاب

“المعنى السوري” أعاد ويعيد التشكيل الكامل للحياتين السياسية والأمنية في العراق ولبنان تبعاً لأولوياته الداخلية والاقليمية والدولية.

أسفر العام الأول للثورات العربية عن نتائج متفاوتة بل حتى متناقضة من المغرب الى المشرق. لكنه كان عاما مذهلا بكل المعايير ولا يستطيع احد على الاطلاق في العالم العربي ان يدّعي ان ما حصل بأشكاله المختلفة كان يدخل قبل عامين في مخيلته او في طاقة مخيلته فاذا بنا اليوم امام عالم عربي جديد وخطير ايجابا وسلبا يضع في الامتحان العميق والحاد دولَه ومجتمعاته وطبقاته جماهيرَ ونخبا في مدى قدرتها على الخلق والتماسك في آن معا: زمن ثوري فعلا أيا تكن نتائجه!

لقد أفرز العام 2011 وسيتكرس ذلك في العام الجديد 2012 ما يمكن أن نسميه دول النِصاب ودول الرُهاب. دول كتونس ومصر والمغرب تقع في الفئة الاولى. فهي قادرة عبر مؤسساتها وتقاليدها في النتيجة ان تضع الحالة الثورية في إطار نصاب سياسي للتغيير حتى لو ظهرت في الدولة الأهم بينها- مصر- ملامح تفككات أمنية واجتماعية ودينية غير مألوفة ولكنها لم تخرج ولن تخرج عن هذا النِصاب. وهي هذه المرة، للتذكير، ثورية تحت المحرك الديموقراطي الرأسمالي في درجته الأكثر عولمة. فالقوى الاسلامية المستجدة السيطرة لا تملك برنامجا اقتصاديا خارج مفاهيم اقتصاد السوق. اذاً لا تملك برنامجا! كذلك لا أعني بالتفككات الدينية هنا فقط تلك الحاصلة بين الاسلاميين والاقباط بل ايضا التفككات داخل الاسلام كالحالة السلفية – او ما يسميه شيخ الأزهر شيخنا الدكتور احمد الطيب “فقه البادية” – وهي حالة مستجدة وتحت الاختبار لمدى “طبيعيتها” في بلد كمصر.أما بلدان كليبيا حتى بعد اسقاط النظام، والعراق بعد 2003 الذي هو من دون أدنى شك منطقاً ومضموناً من دول “الربيع العربي” بمفعول رجعي، وسوريا الحالية التي تقدم نموذجها الثوري- الازماتي المختلف، فهي من بلدان الفئة “الربيعية” الثانية اي بلدان الرُهاب. في كلٍ من ليبيا والعراق وسوريا تتجمع عناصر كثيفة متناقضة: النظام الاستبدادي القوي، المجتمع المتفكك مناطقيا – قبليا او طائفيا، قوة الاسلام السياسي الظاهرة ومتفرعاتها الخافية…. كل هذه العناصر تجعل مسار التغيير غير آمن ليس فقط من حيث عنفيته المتبادلة بين القوى القديمة والجديدة بل من حيث خطره على وحدة الكيان السياسي للدولة المعنية. وبين دول الرُهاب يبدو ان العام 2012 سيكون عاماً سورياً بصورة خاصة لا لأن المواجهة مستمرة فقط بل لأن هذه المواجهة ممتدة مباشرة الى دول أخرى، وهذه هي سمة الرُهاب السوري او احدى سماته الكبرى المرشحة للتفاقم في العام 2012.
أليس هذا هو المعنى السوري للعراق اليوم؟ كذلك المعنى السوري للبنان اليوم؟ وهما البلدان اللذان لم تندلع ازماتهما بعد الانفجار السوري ولكن هذا الانفجار “الربيعي” في سوريا أعاد ويعيد تشكيل حياتيهما السياسيتين والأمنيّتين تبعا لأولوياته الداخلية والاقليمية والدولية.
داخليا أدى الضغط الدولي العربي الاستثنائي على النظام في سوريا الى دفع ايران وقوى الاسلام السياسي الشيعي الحليفة لها طويلا في بغداد الى الاضطرار للكشف العلني عن “طبيعة” السلطة السياسية المسيطرة على العاصمة العراقية ما بعد سقوط صدام حسين وهو أمر كان متروكا لنمط من المظاهر التوافقية في المركز العراقي. ولأن الصراع على سوريا ذات الاكثرية الديموغرافية السنية هو اقليمياً اي سعودياً وتركياً لِـ”استعادتها” من النفوذ الايراني فقد استلزم الكشف – عبر ملاحقة الهاشمي المدروسة والمهينة شكلا – عمّن يسيطر فعليا على بغداد في العراق ذي الاكثرية الديموغرافية الشيعية. وفي لبنان لم تكن قوى النظام الطائفي الاساسية تحتاج الى هذا التفاقم في الوضع السوري لكي تنقسم حول ذلك لأن هذا الانقسام هو الموضوع الاول لحياتنا السياسية في بيروت منذ العام 2005. حاليا أظن أنه أصبح الموضوع “الوحيد”. أما دوليا فقد كشفت المواجهة في سوريا عن حجم لهذا البلد في الصراع الدولي فاق التوقعات عبر الموقف الروسي ومعه الموقف الصيني ضد الولايات المتحدة الاميركية.
يأتينا اذن عام 2012، العام الثاني للتقويم الثوري العربي، وقد أوغلنا في اختبار هل يمكن لـ”دول الرهاب” أن تنجز ثورة ديموقراطية دون ان تخسر نسيجها الموحد وبنية مؤسساتها الوطنية: في العراق تفتت؟ في ليبيا لا دولة؟ في سوريا حرب أهلية؟
عجّل الله بالفَرَج المصري. دولة نِصابنا العربي. دولة “مهديّنا المنتظر” العربي. وكل التحية الى”القوة الهادئة” في تونس

السابق
علاج بصر الشيخوخة في الأميركيّة
التالي
50 قذيفة اسرائيلية على خط التماس لجبهة مزارع شبعا فجرا