نهاية مفتوحة لحرب العراق!

ما إن انقشع النقع الذي أثاره رحيل القوات الأميركية عن العراق حتى صعَّد المالكي حملته ضد زعماء السنة، مما يزيد من تعميق الانقسام الطائفي في البلاد. وإذا كان الزعماء الأميركيون ربما يتحدثون بحماس وشوق عن ديموقراطية العراق الجديدة، فإن كل المؤشرات تشير إلى مشاكل حقيقية في الأفق تنتظر العراقيين مثلما تشي بذلك الأحداث الميدانية، إضافة إلى نتائج أحدث استطلاع قمنا به للرأي العام العراقي.
ففي سبتمبر 2011 واستعداداً لمنتدى صير بني ياس، استطلعنا آراء العراقيين بقصد قياس مواقفهم من تأثير الحرب وبواعث قلقهم حول مستقبل بلادهم في أعقاب الانسحاب الأميركي. كما قمنا أيضاً باستطلاع آراء الأميركيين والإيرانيين والعرب من ستة بلدان بخصوص العديد من الأسئلة نفسها. وانطلاقاً من المعطيات التي تم الحصول عليها يمكن الخروج بعدة ملاحظات. أولاً وقبل كل شيء، هناك انقسامات بين المجموعات الرئيسية الثلاث في العراق: السنة والشيعة والأكراد. وفي الولايات المتحدة هناك انقسام حزبي كبير. وأخيراً، هناك انفصام بين مواقف العراقيين وجيرانهم العرب.

وكل هذه الأنساق تظهر وتتجلى في الإجابات على كل سؤال من الأسئلة التي طُرحت ضمن استطلاع الرأي. فعلى سبيل المثال، عندما نسأل «هل العراقيون أفضل حالاً أم أسوأ حالاً مما كانوا عليه قبل دخول القوات الأميركية البلاد؟»، نجد أن أجوبة العراقيين متضاربة، حيث يقول نحو نصف الشيعة والسنة إنهم «أسوأ حالاً»، في حين يقول 60 في المئة من الأكراد إنهم «أحسن حالاً». أما على الجانب الأميركي، فيقول 58 في المئة من الجمهوريين، إن العراقيين «أحسن حالاً» مقارنة مع 24 في المئة فقط من الديموقراطيين الذين يشاطرون هذا الرأي. هذا في حين أن نسبة لافتة من كل الأميركيين تقدر بـ44 في المئة، هم إما «غير واثقين» أو يرون أن الأمور «لم تتغير».
وعندما نمعن النظر في الكيفية التي أثرت بها الحرب على العديد من مجالات الحياة في العراق، يتضح من جديد هذا الانقسام بين الطوائف في العراق، وبين الحزبين السياسيين في الولايات المتحدة بجلاء. فالأكراد على سبيل المثال يقولون إن ظروف حياتهم تحسنت في المجالات كلها، في حين أن أغلبيات كبيرة من السنة والشيعة تقول إن الظروف قد ساءت. وانطلاقاً من وجهة نظر كل طرف، يبدو كما لو أن الجمهوريين والديموقراطيين ينظرون إلى حربين مختلفتين، حيث يميل الجمهوريون إلى النظر إلى تأثير الحرب على أنه إيجابي في كل مجال، في حين يرى الديموقراطيون إلى حد كبير أن الحرب جعلت الحياة أسوأ بالنسبة للعراقيين.
 
وبالنظر إلى المستقبل، يبدو أن الأميركيين والعراقيين يتفقون، سطحيّاً على الأقل، على أن انسحاب القوات الأميركية من العراق يعتبر «شيئاً إيجابيّاً». فبهامش واحد إلى اثنين يقول العراقيون إن الانسحاب إيجابي، وكذلك تفعل أغلبية كبيرة من الأميركيين من الحزبين. ولكن عندما نطرح السؤال حول الشعور الذي ينتابهم عند تأمل رحيل القوات الأميركية، ينهار هذا الإجماع. ذلك أنه إذا كان ثلاثة أرباع الأميركيين يقولون إنهم «سعداء» بمغادرة العراق، فإن هذا الشعور لا يشاطره سوى 22 في المئة من العراقيين، بينما يقول 35 في المئة آخرون إنهم قلقون، ويقول 30 في المئة إنهم يشعرون بالسعادة والقلق معاً. ويمكن فهم أسباب هذا المزاج العراقي المختلط عندما ننظر عن كثب إلى بواعث القلق التي تساور العراقيين بشأن فترة ما بعد الانسحاب. ذلك أن ستة تقريباً من أصل كل عشرة عراقيين يقولون إنهم قلقون بشأن إمكانية حدوث التالي: «حرب أهلية»، أو «انقسام البلاد وتفككها»، و«تفشي الإرهاب»، و«تدهور الاقتصاد»، والخوف من أن يصبح العراق «خاضعاً لهيمنة بلد مجاور».
على أن تأمّل الكيفية التي ينظر بها العراقيون إلى المواضيع القريبة من وطنهم يمكن أن يكون مفيداً أيضاً. ذلك أن نحو واحد من كل خمسة عراقيين يرغب في قيام نظام ديموقراطي ويعتقد أن النظام الديموقراطي «سينجح» في بلده؛ ونحو اثنين من كل خمسة عراقيين يقولان إنهما يرغبان في نظام ديموقراطي ولكنهما لا «يعتقدان أنه سينجح»؛ هذا في حين لا يرغب واحد من كل خمسة في نظام ديموقراطي لأنه يعتقد أنه «لن ينجح» في العراق. وحسب الطريقة التي سينظر بها المرء إلى هذه الأجوبة، يمكن القول إن ستة من كل عشرة عراقيين يرغبون في أن يصبح بلدهم ديموقراطيّاً أو إن ستة من أصل كل عشرة لا يعتقدون أن الديموقراطية ستنجح في العراق. وهذا هو المقصود بالتضارب.

وإضافة إلى ذلك، طلبنا من العراقيين تقييم زعمائهم، فوجدنا أن معظم الشخصيات مثيرة للاستقطاب. فعلاوي من كتلة القائمة العراقية يتمتع بأفضل معدل عام مقارنة مع أي شخصية سياسية عراقية أخرى، حيث يحظى بدعم قوي بين السنة والأكراد؛ ولكن لا يُنظر إليه بعين الرضى من قبل الشيعة. أما المالكي، فهو أكثر إثارة للاستقطاب حيث يتمتع بدعم محدود إلى حد ما بين السنة والأكراد. وبشكل عام، تبدو أرقامه شبيهة على نحو لافت بتلك التي حصل عليها رجل الدين مقتدى الصدر، وإن كان الصدر يحصل على نتائج أفضل بين الشيعة، ويحصل على المعدلات نفسها تقريباً التي يحصل عليها المالكي بين السنة، وعلى معدلات أسوأ قليلاً فقط بين الأكراد.
والخلاصة هي أن أميركا تترك وراءها عراقاً منقسماً بشكل عميق. فبعد عقود من الحكم القاسي والمستبد، عاش العراقيون الغزو والاحتلال، وعانوا من الإرهاب والتطهير العرقي، وإذا كانت مظاهر الديموقراطية وزخارفها قد أقيمت فيه، فإنها ما زالت في حالة مخاض. ويبدو أن العراقيين يرغبون في انتهاء الاحتلال، ولكنهم يشعرون بقلق كبير بشأن ما قد يعقب ذلك. والمشكلة بالنسبة لهم هي أن الجمهور الأميركي أراد نهاية للحرب، والحال أن معظم جيران العراق على ما يبدو ليسوا جاهزين للمساعدة، مثلما أن مساعدتهم قد لا تكون محل ترحيب. أما المشكلة الأخرى بالطبع، فتتعلق بنتيجة الانتخابات الماضية التي أثارت خلافاً كبيراً وتركت العراق بزعيم لا يحظى بدعم كثيرين في البلاد. وإذا كانت أميركا ربما ترغب في فك الارتباط بالوضع الذي تتركه وراءها، وجيران العراق ربما لا يرغبون في مواجهة الخطر الحقيقي الذي قد يطرحه بالنسبة لمستقبل المنطقة، فإن العراقيين لديهم بواعث قلق مشروعة بشأن فترة ما بعد الانسحاب؛ وبالنظر إلى ما يحدث أمام أعيننا من تطورات في العراق اليوم، فإنه لا بد من معالجة بواعث القلق هذه قبل فوات الأوان. 

السابق
نديم الجميل: لتقديم شكوى عاجلة الى مجلس الامن لادانة التعرض للبنانيين الآمنين على الحدود الشمالية
التالي
عريقات ينفي العودة للمفاوضات مقابل اطلاق سراح مئة أسير ودون وقف الاستيطان