عن الحريريين والقاعدة

يحق للفريق الحريري «مناكدة» أي مسؤول حكومي بشأن قضية تنظيم «القاعدة» في لبنان. لا بل قد يكون ذلك من واجبه كمعارضة، لجهة تحميل السلطة مسؤوليتها. غير أن المغالاة في النفي تبدو غير موفّقة، أقلّه لناحيتين: أولاً أنها تشي بشيء من الاتهام الذاتي على طريقة «يكاد يقول المريب…»، وثانياً أنها تخالف الكثير من الواقع والوقائع التي يعرفها الحريريون، أو سكتوا عنها طويلاً على الأقل، في هذه المسألة الخطيرة.
فالكلام عن وجود «القاعدة» في لبنان عمره من عمر هذا التنظيم الإرهابي. فمنذ مطلع التسعينيات كانت تفجيرات الكنائس ومحاولة اغتيال مجلس الكنائس الملتئم في البلمند، وجرائم أخرى. لكن «الظهور» الأول جاء بعد ساعات قليلة على 11 أيلول 2001، واكتشاف اسم زياد الجراح على إحدى الطائرات القاتلة. قيل يومها إن المغفور له رفيق الحريري سرعان ما أدرك خطورة الكارثة المتفجرة بين «جماعته». ويقال إنه سارع الى إجراء تحقيق ذاتي، خلص منه إلى طلب حازم: أقفلوا الموضوع، اسحبوا كل روايات التبرير والدفاع وصور زياد الراقص، وحده الصمت الذي يشبه الاعتراف والإقرار سيكون ردّ الفعل.
منذ ذلك الحين، أدرك المغفور له الحريري الخطورتين المستجدتين: زلزال 11 أيلول في أميركا والعالم، ووجود امتدادات لتنظيم «القاعدة» في لبنان. حتى إنه بعد أقل من أربعة أعوام، قيل إن أحد الأسباب المتجمعة خلف اغتيال 14 شباط 2005 كان تصميم الحريري على مواجهة هذا التنظيم وخياره الأصولي في المنطقة، من العراق وسوريا وصولاً إلى لبنان.وقد يكون من المفيد العودة إلى سجلات القضاء في عهد الحريري الراحل بالذات: مطلع تشرين الأول 2002 «اعتقال مجموعة من 20 شخصاً، بينهم لبنانيون وسعوديون ويمنيون وأردنيون وفلسطينيون وأتراك وسوريون، بتهمة إنشاء تنظيم «القاعدة» في لبنان، عبر خلايا نائمة في المناطق، وهيكلية معلنة في مخيم عين الحلوة». عُرفت منهم أسماء السعودي إيهاب دفع والأردني صالح محمود الجمل والتركي ميفلت زيكار واليمني معمر عبد الله العوامي، وعشرات آخرين. أسماء «قاعدية» أخرى شهرتها السلطات اللبنانية بألقاب «ابن الشهيد» و«عبيدة التركي» و«أبو عمر» وسواها، من ضمن شبكات «القاعدة» المتورطة في تفجير مطاعم، وإنشاء تنظيم إرهابي في لبنان، وحتى محاولة اغتيال السفير الأميركي فنسنت باتل يومها.

وقد يكون من المفيد أكثر للحريريين سؤال الياس المر، عن ذروة الذعر من وجود «القاعدة» في لبنان، في خريف عام 2004. ففي 21 أيلول من ذلك العام كشفت وكالة «رويترز»، نقلاً عن وزير الدفاع الإيطالي، أن روما أحبطت هجوماً إرهابياً كبيراً على سفارتها في بيروت، حيث سارعت وزارة الداخلية اللبنانية في اليوم نفسه إلى الإعلان عن «الخبطة» الأمنية: إلقاء القبض على شبكتين من تنظيم «القاعدة»، واحدة برئاسة أحمد سليم ميقاتي وأخرى يرأسها إسماعيل محمد الخطيب، «أثناء مباشرة تنفيذ مجموعة كبيرة من التفجيرات»، ضد سفارة إيطاليا وقنصلية أوكرانيا وعدد آخر من المراكز الرسمية والأمنية. ومن المفيد أن يسألوا المر عن أسرار ما حدث بعد أيام قليلة: في 27 من الشهر نفسه، مع وفاة الموقوف الخطيب وهو قيد الاحتجاز، اشتعلت مجدل عنجر، لتنتهي القضية إلى اللفلفة عبر قانون العفو العام في 20 تموز 2005، ليخرج في 23 منه من وصفهم المسؤولون اللبنانيون والإيطاليون والأميركيون، وبينهم فيلتمان نفسه، بأخطر المجرمين اللبنانيين، وسط احتفالية سياسية مشهودة.

غير أن جهد البعض لبنانياً على التزام قاعدة «إذا ابتليتم…»، لم يلغ اهتمام العالم بمكافحة الإرهاب «القاعدي اللبناني»: دهم شقة اللبناني حسين فارس في بيونس آيرس في 17 أيلول 2002 لتورّطه في تفجير إرهابي، ومصادرة صور لبن لادن في منزله. اعتقال اللبناني دياب أبو جهجه في بلجيكا في 28 تشرين الثاني 2002. اعتقال اللبناني محمد كمال الذهبي في أميركا في تموز 2004… وسواها من الأخبار الدولية التي تربط بين تنظيم «القاعدة» وأسماء لبنانيين. فضلاً عن نشاط إلكتروني بارز من بيروت ما بعد الوصاية خصوصاً باسم «تنظيم القاعدة ــــ ولاية لبنان»، والإعلان عن هيئة لدعم «المقاومة» في العراق من على أحد المنابر الطرابلسية، وبيان للظواهري يعلن تبنّيه إطلاق الكاتيوشا من جنوب لبنان قبلها بأسبوع، وصولاً إلى الإعلان عن توقيف نحو 13 «قاعدياً» مطلع عام 2006، ومتفرقات مماثلة دائمة، يمحوها الضجيج المذهبي، حيث لا ضجيج يعلو عليه.
يحق للحريريين، بل واجبهم، كما أي فريق آخر موال أو معارض، أن يشتغلوا سياسة وإعلاماً. لكن في الأمن، فليُسأل شاكر العبسي في هذا المجال، تماماً كما سُئل زهير الصدّيق في مجاله.

السابق
الجمهورية: تخوّف من تزاوج التوتّر الأمني بين الجنوب والشمال والبقاع استدعى انعقاد مجلس الدفاع الأعلى
التالي
أحمد الحريري